التعريف به:
هو أحد سادات التابعين الكرام قال عنه أبو نعيم: «ومنهم العلم المنشور، والحكم المشهور، الإمام المبجل ، والمقدام المفضل، عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي رضي الله تعالى عنه، كان واحد زمانه، وإمام عصره وأوانه، كان ممن لا يخاف في الله لومة لائم، مقوالا بالحق لا يخاف سطوة العظائم».
مناقبه ومروياته:
روي عن أبي سعيد الثعلبي، قال: لما خرج إبراهيم ومحمد علي أبي جعفر المنصور، أراد أهل الثغور أن يعينوه عليهما فأبوا ذلك، فوقع في يد ملك الروم الألوف من المسلمين أسرى، وكان ملك الروم يحب أن يفادى بهم ويأبى أبو جعفر ، فكتب الأوزاعي إلى جعفر كتابًا: أما بعد فإن الله تعالى استرعاك أمر هذه
الأمة لتكون فيها بالقسط قائما، وبنبيه الله في خفض الجناح والرأفة متشبها، وأسأل الله تعالى أن يسكن على أمير المؤمنين دهماء هذه الأمة، ويرزقه رحمتها، فإن سايحة المشركين غلبت عام أول، وموطؤهم حريم المسلمين واستنزالهم العواتق والذراري من المعاقل والحصون، وكان ذلك بذنوب العباد، وما عفا الله عنه أكثر، فبذنوب العباد استنزلت العوائق والذراري من المعاقل والحصون، لا يلقون لهم ناصرًا ولا عنهم مدافعا، كاشفات عن رءوسهن وأقدامهن، فكان ذلك بمرأى ومسمع، وحيث ينظر الله إلى خلقه وإعراضهم عنه، فليتق الله أمير المؤمنين، وليتبع الله سبيلا، وليخرج من محجة الله تعالى، فإن الله تعالى قال لنبيه: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾ [النساء: ٧٥] ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾ [النساء: ۹۸]، والله يا أمير المؤمنين ما لهم يومئذ فيء موقوف، ولا ذمة تؤدى خراجا إلا خاصة أموالهم، وقد بلغني عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إِنِّي لَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ خَلْفِي فِي الصَّلَاةِ فَأَتَجَوَّزَ فِيهَا مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَتَنَ أُمه» ، فكيف بتخليتهم يا أمير المؤمنين في أيدي عدوهم؟ يمتهنونهم ويتكشفون منهم ما لا نستحله نحن إلا بنكاح وأنت راعي الله، والله تعالى فوقك ومستوف منك يوم توضع ﴿الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا مَا وَكَفَى بِنَا حَسِينَ ﴾ [الأنياء: ٤٧] فلما وصل إليه كتابه أمر بالفداء.
وروي عن محمد بن مصعب القرقساني، حدثني الأوزاعي، قال: بعث إليَّ أبو جعفر أمير المؤمنين وأنا بالساحل فأتيته، فلما وصلت إليه وسلمت عليه بالخلافة رد عليَّ واستجلسني، ثم قال: ما الذي أبطأ بك عنا يا أوزاعي؟ قلت: وما الذي تريد يا أمير المؤمنين؟ قال: أريد الأخذ عنكم والاقتباس منكم، قلت: يا أمير المؤمنين، أنظر ولا تجهل شيئًا مما أقول لك، قال: وكيف أجهله وأنا أسألك عنه ؟ وقد وجهت فيه إليك وأقدمتك له، قلت: إن تسمعه ولا تعمل به، قال: فصاح بي الربيع وأهوى بيده إلى السيف، فانتهره المنصور، وقال: هذا مجلس مثوبة لا عقوبة، فطابت نفسي وانبسطت في الكلام فقلت: يا أمير المؤمنين. حدثني مكحول عن عطية - يعني : ابن بسر - قال: قال رسول الله ﷺ: «أَيُّمَا عَبْدِ جَاءَتْهُ مُوْعِظَةٌ مِنَ اللهِ فِي دِينِهِ فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ سِيقَتْ إِلَيْهِ، فَإِنْ قَبِلَهَا بِشُكْرٍ وَإِلَّا كَانَتْ حُجَّةٌ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ لَيَزْدَادَ بِهَا إِنَّهَا، وَيَزْدَادَ اللهُ بِهَا عَلَيْهِ سَخْطَةٌ» يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول عن عطية بن بسر، قال: قال رسول الله ﷺ : «أَيُّمَا وَالِ بَاتَ غَاشا لِرَعِيَّتِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» يا أمير المؤمنين من كره الحق فقد كره الله إن الله هو الحق المبين، يا أمير المؤمنين إن الذي يلين قلوب أمتكم لكم حين ولاكم أمرهم لقرابتكم من النبي، فقد كان بكم رءوفا رحيما، مواسيا بنفسه لهم في ذات يده وعند الناس، فحقيق أن يقوم لهم فيهم بالحق، وأن يكون بالقسط له فيهم قائما، ولعوراتهم ساترا، لم تغلق عليه دونهم الأبواب، ولم يقم عليه دونهم الحجاب، يبتهج : بالنعمة . عندهم، ويبتئس بما أصابهم من سوء يا أمير المؤمنين. قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم، أحمرهم وأسودهم، ومسلمهم وكافرهم، فكل له عليك نصيبه فكيف إذا اتبعك منهم فئام وراءهم فئام ليس منهم أحد إلا وهو يشكو بلية أدخلتها عليه، أو ظلامة سقتها إليه.
يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عروة بن رويم، قال: كانت بيد النبي ﷺ جريدة يستاك بها ويروع بها المنافقين، فأتاه جبريل علم فقال : يا محمد . ما هذه الجريدة التي كسرت بها قرون أمتك، وملأت قلوبهم رعبًا ؟ فكيف بمن شقق أبشارهم وسفك دماءهم، وخرب ديارهم، وأجلاهم عن بلادهم، وغيبهم الخوف منه.
يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة: أن رسول الله ﷺ دعا إلى القصاص من نفسه في خدشة خدش أعرابيا لم يتعمدها، فأتاه جبريل فقال: «يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْكَ جَبَّارًا وَلَا مُسْتَكْبِرًا»، فدعا النبي الأعرابي، فقال: «اقْتَصَّ مِنِّي»؛ فقال الأعرابي: قد أحللتك بأبي أنت وأمي، ما كنت لأفعل ذلك أبدًا ولو أتت على نفسي، فدعا له بخير .
يا أمير المؤمنين رض نفسك لنفسك، وخذ لها الأمان من ربك، وارغب في جنة عرضها السماوات والأرض التي يقول فيها رسول الله ﷺ: «لَقَابُ قَوْسٍ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
يا أمير المؤمنين. إن الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل إليك، وكذلك لا يبقى لك كما لم يبق وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم، ولا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم القول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بالنية موافقة للسُّنَّة، وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم جامع كما يجمع هذه الأديان اسمها ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق ذلك بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله لم يقبل منه، وكان في الآخرة من الخاسرين.
قال الشيخ رحمه الله: الأوزاعي يكثر كلامه ومواعظه ورسائله، وهو أحد أئمة الدين وأعلام الإسلام، اقتصرنا من أخباره على ما ذكرنا.
وروي عن يحيى بن عبد الله الحراني قالا : ثنا الأوزاعي، ثنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر، حدثني سعيد بن المسيب عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: «مَثَلُ الرَّاجِع فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَأْكُلُ ثُمَّ يَقِيءُ فَيَرْجِعُ فِي قَيْنِهِ فَيَأْكُلُهُ»
الرئيسة