التعريف به:
هو أحد سادات التابعين الكرام قال عنه أبو نعيم: «ومنهم: السري السخي الملي الوفي، لعِلْمِه عَقُول، ولماله بدول، أبو الحارث الليث بن سعد، كان يعلم الأحكام مليا، ويبذل الأموال سخيًّا. وقيل: إن التصوف السخاء والوفاء».
مناقبه ومروياته:
روي عن أبي حفص عمر بن سلمة يقول : تكلم الليث بن سعد في مسألة؛ فقال له رجل: يا أبا الحارث في كتابك غير هذا؟ قال في كتابي - أو في كتبنا ما إذا مر بنا هذبناه بعقولنا وألسنتنا.
وروي عن حرملة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي يقول الليث بن سعد أتبع للأثر من مالك بن أنس.
وروي عن علان بن المغيرة، قال: سمعت أبا صالح يقول: كنا على باب مالك بن أنس فامتنع علينا؛ فقلنا: ليس يشبه صاحبنا، قال: فسمع مالك كلامنا فأدخلنا عليه؛ فقال لنا: من صاحبكم؟ قلنا الليث بن سعد؛ فقال: تشبهوني برجل كتبنا إليه في قليل عصفر نصبغ به ثياب صبياننا، فأنفذ إلينا ما صبغنا به ثيابنا وثياب صبياننا وثياب جيراننا وبعنا الفضلة بألف دينار.
وروي عن سليمان بن منصور بن عمار، قال: سمعت أبي يقول: كنت عند الليث بن سعد يوما جالسًا، فأتته امرأة ومعها قدح؛ فقالت: يا أبا الحارث إن زوجي يشتكي، وقد نعت له العسل، فقال: اذهبي إلى أبي قسيمة؛ فقولي له: يعطيك مطرًا من عسل، فذهبت، فلم ألبث أن جاء أبو قسيمة، فساره بشيء لا أدري ما قال له، فرفع رأسه إليه؛ فقال : اذهب، فاعطها مطرًا إنها سألت بقدرها وأعطيناها بقدرنا، والمطر الفرق، والفرق عشرون ومائة رطل.
وروي عن يحيى ابن حماد، قال: جاءت امرأة إلى الليث بن سعد؛ فقالت: إن لي أخا نعت له العسل، فهب لي سكرجة؛ فقال: يا غلام املأ سكرجتها عسلا واعطها زقًا من عسل؛ فقال: إنها سألت سكرجة، قال: سألت بقدرها وأعطيناها بقدرنا، وحق لي ذلك، إنني امرؤ من أهل أصبهان.
وروي عن ابن أبي داود، قال: سمعت أبي يقول: قال قتيبة بن سعيد: جاءت امرأة إلى الليث؛ فذكر نحوه.
وروي عن موسى الصائغ، قال: سمعت منصور بن عمار يقول: كان الليث بن سعد إذا تكلم بمصر قفاه؛ فتكلمت في مسجد الجامع يومًا، فإذا رجلان قد دخلا من باب المسجد، فوقفا على الحلقة؛ فقالا: من المتكلم؟ فأشاروا إليَّ، فقالا : أجب أبا الحارث الليث، فقمت وأنا أقول واسوأتاه ألقى من مُوَلَّد هكذا. فلما دخلت على الليث سلمت؛ فقال لي : أنت المتكلم في المسجد؟ قلت: نعم، رحمك الله، فقال لي: اجلس ورد علي الكلام الذي تكلمت به، فأخذت في ذلك المجلس بعينه، فرق الشيخ وبكى، وسرى عني، وأخذت في صفة الجنة والنار ، فبكى الشيخ حتى رحمته، ثم قال لي بيده: اسكت؛ فقال لي: ما اسمك؟ قلت: منصور :قال ابن مَنْ؟ قلت: ابن عمار، قال: أنت أبو السري؟ قلت: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك، ثم قال: يا جارية، فجاءت فوقفت بين يديه، فقال لها : جيئيني بكيس كذا وكذا ، فجاءت بكيس فيه ألف دينار، فقال: يا أبا السرى، خذ هذا الكلام أن تقف به على أبواب السلاطين، ولا تمدحن أحدًا من المخلوقين هذا إليك، وصن بعد مدحتك لرب العالمين، ولك في كل سنة مثلها. قلت: رحمك الله، إن الله قد أنعم إليَّ وأحسن قال لا ترد على شيئًا أصلك به، فقبضتها وخرجت قال: لا تبطئ عليَّ، فلما كان في الجمعة الثانية أتيته؛ فقال لي: اذكر شيئًا، فأخذت في مجلس لي فتكلمت فبكى الشيخ وكثر بكاؤه، فلما أردت أن أقوم، قال: انظر ما في؟ ثنى الوسادة فإذا خمسمائة دينار؛ فقلت: رحمك الله، عهدي بصلتك بالأمس، قال: لا ترد على شيئًا أصلك به، متى أراك؟ قلت: الجمعة الداخلة، قال: كأنك فتت عضوًا من أعضائي، فلما كانت الجمعة الداخلة أتيته مودعا؛ فقال لي: خذ في شيء أذكرك به فتكلمت فبكى الشيخ وكثر بكاؤه، ثم قال لي: یا منصور، انظر ما في ثنى الوسادة، فإذا ثلاثمائة دينار، قال: أعدها للحج، ثم قال: يا جارية، هاتي ثياب إحرام إحرام منصور، فجاءت بإزار فيه أربعون ثوبًا، قلت: رحمك الله، أكتفي بثوبين؛ فقال لي : أنت رجل كريم، فيصحبك قوم فأعطهم، وقال للجارية التي تحمل الثياب معه: وهذه الجارية لك.
وروي عن أبي حاتم سليم بن منصور، قال: سمعت أبي يقول: دخلت على الليث بن سعد يوما وعلى رأسه خادم يغمزه، فخرج، ثم ضرب الليث بيده إلى مصلاه فاستخرج من تحته كيسًا فيه ألف دينار، ثم رمى بها إليَّ، ثم قال: يا أبا السرى، لا تعلم بها ابني فتهون عليه.
وروي عن عبد الله بن صالح، قال: صحبت الليث عشرين سنة لا يتغذى ولا يتعشى وحده إلا مع الناس، وكان لا يأكل اللحم إلا أن يمرض.
وروي عن إسماعيل بن يزيد، قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: كان الليث بن سعد من أهل أصبهان من فارس.
وروي عن ابن زغبة يقول: سمعت الليث بن سعد يقول : نحن من أهل أصبهان، فاستوصوا بهم خيرًا.
وروي عن عبد الملك بن شعيب بن الليث ابن سعد، قال: سمعت أسد بن موسى يقول: كان عبد الله بن علي يطلب بني أمية فيقتلهم، فلما دخلت مصر دخلتها في هيئة رثة، فدخلت على الليث بن سعد، فلما فرغت من مجلسه خرجت فتبعني خادم له في دهليزه، فقال: اجلس حتى أخرج إليك، فجلست، فلما خرج إليَّ وأنا وحدي دفع إلى صرة فيها مائة دينار؛ فقال : يقول لك مولاي: أصلح بهذه النفقة بعض أمرك، ولم من شعثك، وكان في حوزتي هميان فيه ألف دينار، فأخرجت الهميان؛ فقلت: أنا عنها في غنى، استأذن لي على الشيخ فاستأذن لي فدخلت فأخبرته بنسبي، واعتذرت إليه من ردها، وأخبرته بما مضى؛ فقال: هذه صلة وليست بصدقة، فقلت: أكره أن أعود نفسي عادة وأنا في غنى ؛ فقال : ادفعها إلى بعض أصحاب الحديث ممن تراه مستحقا لها، فلم يزل بي حتى أخذتها؛ ففرقتها على جماعة.
وروي عن عبد الله بن صالح يقول: سمعت الليث بن سعد يقول: لما قدمت على هارون الرشيد قال لي: يا ليث، ما صلاح ؟ قلت: يا أمير المؤمنين، صلاح بلدنا بإجراء النيل وإصلاح أميرها، ومن رأس العين بلدكم؟ يأتي الكدر، فإذا صفا رأس العين صفت السواقي؛ فقال: صدقت يا أبا الحارث.
الرئيسة