وله مناقب عديدة وآثار شهيرة: فمن ذلك ما حكاه أبو القاسم خلف بن بشكوال الأندلسي - المقدم ذكره - في كتابه الذي سماه كتاب المستغيثين بالله تعالى، فإنه قال: بينما مالك بن دينار يوما جالس إذ جاءه رجل فقال: يا أبا يحيى، ادع الله لامرأة حبلى منذ أربع سنين وقد أصبحت في كرب شديد، فغضب مالك وأطبق المصحف ثم قال: ما يرى هؤلاء القوم إلا أننا انبياء، ثم قرأ ثم دعا فقال: اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاما فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، ثم رفع مالك يده ورفع الناس أيديهم، وجاء رسول إلى عند الرجل وقال: أدرك امرأتك، فذهب الرجل فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد، على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين قد استوت أسنانه، ما قطعت سراره.
وكان من كبار السادات. وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومائة بالبصرة، قبل الطاعون بيسير، رحمه الله تعالى.
قال صاحب كنوز الأولياء عنه: أنه (كان في طلب الغزو سنين، فركب بعسكر الإسلام للغزو، فلما شرعوا أخذته الحمى، حتىٰ غدا لا يقدر القعود علىٰ الفرس، فضلاً عن أن يقاتل، فحملوه إلىٰ الخيمة، وجعل يبكي، ويلوم نفسه، ويقول: لو أن في بدني خيرًا، لما يبتلىٰ اليوم بالحمى…) .
ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء فقال : - مالك بن دينار علم العلماء الابرار، معدود في ثقات التابعين، ومن أعيان كتبة المصاحف، كان من ذلك بلغته.
ولد في أيام ابن عباس، وسمع من أنس بن مالك، فمن بعده، وحدث عنه، وعن الاحنف بن قيس، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، والقاسم بن محمد، وعدة.
حدث عنه سعيد بن أبي عروبة، وعبد الله بن شوذب، وهمام بن يحيى، وأبان بن يزيد العطار، وعبد السلام بن حرب، والحارث بن وجيه، وطائفة سواهم، وليس هو من أساطين الرواية.
وثقه النسائي وغيره، واستشهد به البخاري، وحديثه في درجة الحسن.
قال جعفر بن سليمان: سمعت مالك بن دينار يقول: وددت أن رزقي في حصاة أمتصها لا ألتمس غيرها، حتى أموت.
وقال: مذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم، ولم أكره ذمهم لان حامدهم مفرط، وذامهم مفرط، إذا تعلم العالم العلم للعمل كسره، وإذا تعلمه لغير العمل، زاده فخرا.
وروى الأصمعي عن أبيه، قال: مر المهلب على مالك بن دينار متبخترا، فقال: أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين ؟ ! فقال المهلب: أما تعرفني ؟ قال: بلى، أو لك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة.
فانكسر، وقال: الآن عرفتني حق المعرفة.
قيل: كان أبوه دينار من سبي سجستان، وكناه النسائي أبا يحيى، وقال: ثقة.
قال جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار: إذا لم يكن في القلب حزن خرب، وعن مالك بن دينار قال: من تباعد من زهرة الدنيا، فذاك الغالب هواه.
وقيل: دخل عليه لص، فما وجد ما يأخذ، فناداه مالك: لم تجد شيئا من الدنيا، فترغب في شئ من الآخرة ؟ قال: نعم.
قال: توضأ، وصل ركعتين، ففعل ثم جلس وخرج إلى المسجد.
فسئل من ذا ؟ قال: جاء ليسرق فسرقناه.
عن سلم الخواص قال: قال مالك بن دينار: خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شئ فيها، قيل: وما هو ؟ قال: معرفة الله تعالى.
وروى جعفر بن سليمان، عن مالك قال: إن الصديقين إذا قرئ عليهم
القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة.
ثم يقول: خذوا، فيتلو، ويقول: اسمعوا إلى قول الصادق من فوق عرشه.
قال محمد بن سعد: مالك ثقة، قليل الحديث، كان يكتب المصاحف.
وقال جعفر بن سليمان، حدثنا مالك بن دينار قال: أتينا أنسا أنا وثابت ويزيد الرقاشي، فنظر إلينا، فقال: ما أشبهكم بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لانتم أحب إلي من عدة ولدي إلا أن يكونوا في الفضل مثلكم، إني لادعو لكم في الاسحار.
قال السري بن يحيى: قال مالك بن دينار: إنه لتأتي علي السنة لا آكل فيها لحما إلا من أضحيتي يوم الأضحى.
قال سليمان التيمي: ما أدركت أحدا أزهد من مالك بن دينار.
قال جعفر بن سليمان: سمعت مالكا يقول: وددت أن الله يجمع الخلائق، فيأذن لي أن أسجد بين يديه، فأعرف أنه قد رضي عني، فيقول لي: كن ترابا.
قال جعفر بن سليمان: كان ينسخ المصحف في أربعة أشهر، فيدع أجرته عند البقال فيأكله.
قال السري بن يحيى: توفي مالك بن دينار سنة سبع وعشرين ومئة.
وقال ابن المديني: سنة ثلاثين ومئة.
__________
* انظر ترجمته في حلية الأولياء( 2: 357 ) وصفة الصفوة( 3: 197) وتهذيب التهذيب( 10: 14) وفيات الأعيان (4/139) ، سير أعلام النبلاء (5/362) ، طبقات ابن سعد( 7 / 243) ، الطبقات الكبرى للشعراني (1/37) ، طبقات الصوفية للمناوي (1/412) .البطولة والفداء عند الصوفية ص61.