1-السيد البدوي، صاحب الطريقة البدوية
عاش سيدي أحمد البدوي في القرن السابع الهجري، وأسس واحدة من اكبر الطرق الصوفية في مصر (الطريقة البدوية)، وحينما نتناول هذه الشخصية وهذه الطريقة بالدراسة قد نصل إلى نتائج هامة في دراسة الطرق الصوفية.
إنَّها شخصية الرجل الذي عرف بالصمت الطويل، ومع ذلك أسس هذه الطريقة الكبيرة التي انتشرت سريعًا بين قوى ومدن مصر، واتبعها ألوف عديدة من أبناء هذا الوادي، واعتقدوا في صاحبها اعتقادًا كبيرًا.
فمن ذلك؛ هو البدوي الذي دخل في طريقته جماهير كثيرة من شعب مصر في القرن السابع الهجري، وفي القرون التالية له، وإلى الآن ينضم لها الألوف من أبناء هذا الشعب، فالبدوية تعد من أكبر الطرق في مصر.
سيدي أحمد البدوي، وحياته:
من المعروف، أنَّ السيد أحمد البدوي عربي خالص، انحدر أصله من أشرف وأكرم البيوت العربية، وينتهي نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه.
وقد انتقل أجداده إلى مدينة فاس المغربية حوالي عام 73هـ - 692م، عندما اضطربت أحوال الجزيرة العربية، وولد أحمد بفاس في زقاق الحجر، ويحتمل أن يكون ذلك في عام 566هـ (1199 – 1200م) ([1]).
ويقول الشيخ أحمد حجاب في كتابه عن ابدوي: (اتفق جميع المؤرخين على أن في أجداد سيدي أحمد البدوي من الأئمة الاثنى عشرية تسعة أئمة، وهم: الإمام علي كرم اللَّه وجهه، وابنه الإمام الحسين المتوفى سنة 61 هجرية، وابنه الإمام محمد الباقر المتوفى سنة 113 وقبل سنة 117، وابنه جعفر الصادق المتوفى سنة 220، وابنه علي الهادي المتوفى سنة 254، وهم على هذا الترتيب مثبتون في النسب الذي رواه المقريزي، وأثبت المقريزي من بعدهم جعفرًا، وابنه حسنًا، وجعفر هو أخو حسن العسكري الشهيد، وحسن هو ابن أخي حسن العسكري الشهير، سمي باسم عمه([2]).
وسيدي أحمد البدوي، هو أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن علي بن عثمان بن حسين بن محمد بن موسى بن يحيى بن عيسى بن علي بن محمد بن حسن بن جعفر بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
ويذكر المقريزي، أنَّه شهد بصحة نسبته جماعة من أئمة المعاصرين، منهم: القاضي عبد الوهاب بن التلميذ، والسيد عبيد بن محمد الشريف الحسني، الحاكم بالمدينة المنورة، وأودعت نسخة من هذا النسب بدار الرصاص، بالمدينة المنورة.
ومن هنا نلاحظ أنَّ نسبه ينتهي إلى الحسين بن علي وليس الحسن، وهذا على خلاف ما نراه من صوفية المغرب الذين هم من أصل مغربي؛ إذ تعودنا أن نرى أن نسبهم ينتهي إلى الحسن.
يقول الدكتور علي صافي([3]): (وأما صوفية المشرق في العراق ومصر والشام، وفي فارس وبلاد خراسان، فإنَّهم عودونا الانتساب إلى الحسين، والسبب في انتساب
المشارقة إلى الحسين والمغاربة إلى الحسن راجع فيما أعتقد إلى أنَّ المشارقة كانوا كالشيعة في محاولة الوصول إلى الحكم والاستئثار بالسلطة. أمَّا الذين انتسبوا إلى الحسن فكانوا يدعون الخلافة الباطنية غير حافلين في شيء بخلافة أهل الظاهر، حيث زعموا أنَّ اللَّه عقد للحسن الخلافة الباطنية، بعد أن نزل لمعاوية عن الخلافة الظاهرية([4]).
وعلى ما ذكرنا، فإنَّه كان بمدينة فاس المغربية سنة 596هـ، وكان سادس إخوته، وعرف منذ صغره بصمته الطويل، ونظره الطويل إلى السماء، (وقد كانت أحوال البدوي في نشأته وحداثة سنه غريبة عجيبة، فقد ذكروا أنَّه كان يلزم الصمت، ولا يكلم الناس إلا بالإشارات، وأنَّه كان يظل أكثر أوقاته شاخصًا بعينيه إلى السماء([5]).
ويقول صاحب (الجواهر السنية): (ويقال إنَّ ميوله نحو الزهد أخذت تظهر منذ ذلك الدور المبكر؛ حتَّى لقبه قومه في طفولته بالزاهد، كما يقال إنَّه لبس خرقة التصوف في فاس على يد الشيخ عبد الجليل النيسابوري، وكان الشريف حسن شقيق السيد أحمد البدوي، قد أخذ خرقة التصوف عن ذلك الشيخ، فجمع أخاه أحمد عليه ليلبسه هو الآخر خرقة التصوف)([6]).
وفي سنة 603هـ، هاجرت أسرة السيد أحمد البدوي والده وجميع أشقائه إلى مكة، وقد استغرقت هذه الرحلة من فاس إلى مكة حوالي أربع سنوات، وقد مروا بمصر في طريقهم من فاس إلى مكة، وعاشوا فيها فترة تقدر بحوالي ثلاث سنوات.
ويقال عن قصة انتقال أسرة البدوي من فاس إلى مكة أنَّ أباه عليًّا جاءه الهاتف
//////
في المنام يا علي ارحل من هذه البلاد إلى مكة المشرفة فإن لنا في ذلك شأنا وكان ذلك حوالي عام 603هــــ على ما ذكرنا.
وقال الشريف حسن شقيق البدوي: «فما زلنا ننزل على عرب ونرحل عن عرب فيتلقونا بالترحيب والإكرام حتى وصلنا إلى مكة المشرفة في أربع سنين([7])».
ويتابع القصة الشريف حسن فيقول: «فلما وصلنا إلى مكة وعلم الناس بقدومنا إليها هرع الناس علينا وسلموا علينا واعتقدوا فينا الخير وأتى إلينا سلطان مكة وأشرافها قال: وسمع بقدومنا أهل مدينة النبي × وأشرافها فجاءوا إلينا وتعرفوا بنا، أما سلطانها فإنه لما جاء إلينا وسلم علينا قال لنا: أين الشريف أحمد الملثم.. اجمعوا بيني وبينه فإن جدي رسول الله × وصفه لي وأراني صفته وحليته في المنام وقال لي: يخرج من المغرب وهو ابن سبع سنين ويدخل مكة وهو ابن إحدى عشر سنة وأشار لي أن أسير إليكم وأجتمع بكم وأسلم عليكم وعلى الشريف أحمد الملثم وأتبرك به وقال لي: إنه سيظهر له حال وأي حال ويربي المريدين يجيء منهم رجال وأي رجال فقال له والدي: إن هذا الولد حديث السن ومن أين يقدر على هذا الحال وهو هو هذا أو غيره؟ فقال: أعد أن جدي رسول الله × أراني صفته وحليه ففي أنفه شامة سوداء من كل ناحية أصغر من العدسة وهو أقنى الأنف صبيح الوجه فلما حضر سيدي أحمد البدوي ورآه السلطان عرفه بالصفات فقام إليه واعتنقه وأجلسه إلى جانبه([8]).
وقد ذكر الشعراني وصفًا للسيد البدوي فقال: «كان غليظ الساقين طويل الذراعين، كبير الوجه، أكحل العينين، طويل القامة، قمحي اللون، وكان في وجهه ثلاث نقط من أثر جدري، في خده الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتان، أقنى الأنف، على أنفه شامتان في كل ناحية شامة سوداء أصغر من العدسة، وكان بين عينيه جرح موسى، جرحه ولد أخيه الحسين بالأبطح حين كان بمكة([9])».
ويتبين لنا مما سبق أن أسرة البدوي رحلت عن فاس ببلاد المغرب عام 603هــــ واستقرت بمكة المكرمة حوالي عام 607هــــ. وأن أسرة البدوي أثناء سفرها لمكة استقرت حوالي ثلاث سنوات بأرض مصر.
وقد يكون السيد البدوي، الذي كان في حوالي السابعة أو الثامنة من عمره حتى سن العاشرة أي في فترة طفولته وصباه المبكر قد سمع عن مدينة «طندتا» المصرية أو رآها فظلت في مخيلته صورة باهتة عنها علقت في ذهنه منذ صباه في أرض مصر.
المهم، كما اتضح لنا أن أسرة البدوي بعد رحيلها من فاس استقرت بمكة وعاشت عيشة طيبة هناك حتى فجعت بوفاة الشريف علي والد الإمام السيد البدوي سنة 627هــــ. وبعد ذلك بحوالي أربع سنوات أي حوالي سنة 631هــــ توفي محمد شقيق السيد البدوي فلم يبق من أخوته الذكور سوى شقيقه الأكبر حسن الذي تولى رعاية أحمد.
وقد لزم السيد البدوي منذ صباه العكوف على العبادة والقيام وتعود الذهاب إلى مغارة في جبل أبي وقيص قرب مكة يتعبد فيها وحده. حوالي
سنة 634-1227م وهو في حوالي الثامنة والثلاثين من عمره قرر الرحيل إلى العراق.
ويقال أن شيخ الطريقة البدوية سيدي أحمد البدوي رأى رؤيا تأمره بالرحيل إلى العراق. يقول إمامنا الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الإسلام: أولياء الله لا يتصرفون بأنفسهم، إنهم وقد أسلموا نفوسهم لله لا يتصرفون إلا بتوجيه منه سبحانه، ولا يعملون إلا بإذن الله تعالى، وقد يكون هذا التوجيه، أو هذا الإذن رؤيا يراها الولي، أو يكون إلهاما أو يكون انشراح صدر بسبب الاستخارة يمر بها الولي «ويدلل الإمام الأكبر على ذلك بقول العزيز الحكيم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ =٣٠- نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ =٣١- نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ =٣٢-﴾ [فصِّلت: 30-32].» فالملائكة تتحدث مع أولياء الله بنص القرآن([10]).
أما الدكتور سعيد عاشور فيقول عن رحلة السيد البدوي للعراق: «يبدو أن السيد أحمد أدرك أن مكة مع عظيم مكانتها أضيق من أن تتسع لطموحاته وآماله، ففكر في الهجرة منها إلى بلد واسع الإمكانيات البشرية والمادية. والعراق أرض الأئمة والأقطاب. يؤيد رأينا هذا أن الرواة عللوا رحلته إلى العراق برؤية رآها قيل له فيها: لا تنم! فمن طلب المعالي لا ينام.. وحق أباؤك الكرام سيكون لك حال ومقام»([11]).
ومهما كان السبب فقد سافر السيد البدور مع أخيه حسن إلى العراق سنة 634هــــ وطاف معه شمال العراق وجنوبه وزارا أم عبيدة مركز الطريقة الرفاعية كما زارا مقام سيدي عبد القادر الجيلاني. واشتاق الشريف حسن لرؤية زوجه وأولاده فاستأذن أخاه أحمد فأذن له.
واتجه بعد ذلك سيدي أحمد البدوي إلى شمال العراق لزيارة ضريح عدي بن مسافر الهكاري صاحب الطريقة العدوية. وهناك قرب الوصول في شمال العراق حدث صراع بين السيد البدوي وبين امرأة جميلة اسمها فاطمة بنت بري.
وملخص القصة أن فاطمة بنت بري هذه كانت امرأة غنية، جميلة، مغرمة بإيقاع الرجال في شباك مالها وجمالها، تلعب بقلوبهم وعواطفهم ثم تتركهم يركعون تحت أقدامها يلهثون.. وكانت فاطمة تبحث بينهم عن الرجل الذي تركع أمامه لا الرجل الذي يركع أمامها.
وكم من أصحاب ذقون طويلة ورجال كانوا من أرباب التقوى والصلاح سقطوا في حبال هذه الأفعى وتهافتوا على القرب منها. ذلك أن صلاحهم كان شكلا وصورة. وكانت تقواهم ضعيفة خائرة. ولهذا كان من السهل على الشيطانة فاطمة بنت بري إغواءهم حتى جاء السيد البدوي فلم تستطع أن توقعه في شباكها الناعمة ولم تقدر عليه فقد وجدت نفسها أمام نوع جديد من الرجال إيمانه صلبا، عقيدته لا تخور أبدا قلبه مشغول بذكر الله لا بذكر الغواني.
وحين دانت للرجل الصالح التقي رجته للزواج بها، لكن السيد البدوي وجد نفسه أمام دعوة كبيرة تحتاج منه إلى تفرغ كامل. والزواج قد يشغله. واستطاع السيد البدوي أن يؤثر فيها ويحولها إلى امرأة متدينة وأخذ عليها العهد ألا تعود إلى ماضيها وغوايتها القديمة وتابت فاطمة توبة صادقة.
هذه هي القصة في خيوطها الحقيقية بلا تزيد أو اختلاق وتقول.
ويبدو أن الذي جعل بعض الكتاب ينكرون هذه القصة. هو ما دخل عليها من حشو وزيادات بعد أن أضاف إليها بعض أتباع السيد البدوي من عندهم كرامات أسطورية شوهت صوة السيد البدوي وأساءت إليه.
ويكفي أنها جعلت من تلك الواقعة البسيطة التي من الممكن أن تحدث في أي زمان ومكان خرافة لا يصدقها عقل العقلاء بعد أن أضافوا إليها ما أضافوا وكما ترى «ليست أكثر من امرأة لها حال عظيم وجمال بديع، وكانت تسلب الرجال أحوالهم فسلبها سيدي أحمد ت حالها وتابت على يديه: أنها لا تتعرض لأحد بعد ذلك اليوم»([12]).
وبعد سنة قضاها السيد البدوي في ربوع العراق شماله وجنوبه عاد إلى مكة سنة 635هــــ-1238م. ويقول الشيخ أحمد حجاب: «كانت رحلة العراق نقطة تحول كبيرة في حياة سيدي أحمد النفسية. فقد أعقب تلك الرحلة تغير ملحوظ في سلوكه وعبادته لم يكن معهودا عليه قبل الرحلة. فكان صيامه وصلاته وقيامه وانتصابه وكلامه إشارة. وتحول بوجهه نحو السماء وقطع النظر عمن في الأرض حتى قلقت عليه أخته الكبرى فاطمة فكانت تنبه أخاها الحسن من نومه ليلا تشكو إليه من حالته وتثبت له قلقها على أخيها أحمد وتقول: ابن والدي إن أخي أحمد قائم طول الليل وهو شاخص ببصره إلى السماء ونهاره صائما. وانقلب سواد عينيه بحمرة تتوقد كالجمر وله مدة أربعين يوما ما أكل طعاما ولا شرابا([13]).
واستمر السيد البدوي في حياة الزهد والعبادة آناء الليل والنهار.. وفي نفس العام أي سنة 635هــــ-1238م قرر سيدي أحمد البدوي الرحيل إلى مصر.. وإلى طندتا «طنطا» بالذات. وبالطبع فإن رواة سيرته من أتباعه قالوا: إن الهاتف جاءه في المنام وقال له: «قم يا همام إلى طندتا..».
هكذا قال عبد الصمد زين الدين والمناوي والشعراني أنه سافر لطندتا لهاتف منامي فدخلها حوالي سنة 635هــ- وبعضهم يقول: حوالي 234هـــــ. وها هو المناوي في الكواكب الدرية يسقط سقطة تاريخية حين يقول: «ثم سمع هاتفا يقول ثلاثا قم واطلب مطلع الشمس فإذا وصلته فاطلب مغربها وسر إلى طنتا فيها مقامك أيها الفتى، فسافر إلى العراق، فتلقاه العارفان الجيلاني والرفاعي فقال: يا أحمد، مفاتيح العراق والهند واليمن والشرق والغرب بيدنا فاختر أيها شئت فقال: لا آخذ المفتاح إلا من المفتاح. ثم رحل إلى مصر فتلقاه الظاهر بيبرس بعسكره وأكرمه، وعظمه، فدخلها سنة أربع وثلاثين»([14]).
أما السقطة التاريخية التي وقع فيها المناوي رحمه الله أن بيبرس لم يتول حكم مصر إلا سنة 668هـــــ.. أما سنة 634هــــ فكان يحكم مصر الملك الكامل محمد الأيوبي.
ومن كتابات عبد الصمد زين الدين والمناوي والشعراني يظهر لنا على ما يقول الدكتور علي صافي: «إن رحلة السيد البدوي إلى مصر كان يكتنفها الغموض. فهم متفقون على أنه ذهب إلى العراق قبل أن يذهب إلى مصر ثم يختلفون في المكان الذي ذهب منه إلى مصر وفي ذكر كيفية دخوله إليها. فعبد الصمد زين الدين يقول: أنه عاد إلى مكة ومنها ذهب إلى مصر، أما الشعراني والمناوي فإن كلام كل منهما يعطي أن البدوي لم يعد إلى مكة، ولكنه اتجه من العراق إلى مصر مباشرة»([15]).
ولقد نبه الأستاذ صلاح عزام في كتابه عن السيد «عبد الرحيم القنائي» إلى خطأ تاريخي آخر وقعت فيه إحدى الروايات التاريخية.. فقال: إن هناك رواية تقول: إن السيد البدوي تبادل مع الشيخ القنائي الرسائل. بل وزاره في قنا. وهي موجودة في بعض الكتب القديمة التي تؤرخ للسيد البدوي.. بل إن محبي السيد البدوي ورجال طرقه يتناولونها إلى اليوم.
ومن المعروف أن الشيخ القنائي ت توفي عام 592هــــ. بينما السيد البدوي ت ولد عام 596هـــــ. ووصل مصر عام 635هــــ.
ولكن من الجائز أن يكون السيد البدوي قد زار الشيخ القنائي كعادة من عادات الأقطاب أن يزوروا الأولياء فقبل مجيئه طنطا زار أولياء العراق وأقطابه كما ذكرنا سابقا.
وانتهى بالسيد البدوي المطاف لأرض طنطا واستقر بها حتى وافته المنية سنة 675هـــــ.
وإذا أردنا أن نعلل مجيئه إلى طنطا مباشرة نقول أنه قد يكون للسيد البدوي فكرة عن طنطا وعن موقعها الممتاز وتوسطها القاهرة والإسكندرية فاتجه إليها وإلى دار تاجر هناك اسمه ابن شحيط فسكن سطح داره «ولعل ابن شحيط هذا هو الشيخ ركن الدين الذي كان يقال له ركين الدين فقد رأيت في بعض التراجم أن الشيخ ركن كان له دكان بسوق طنتا يبيع فيه العسل والزيت والعلف وغير ذلك»([16]).
وعلل البعض تفضيل إقامة البدوي فوق سطح الدار لتفضيل البدوي العيش
وسط الطبيعة يرى بديع صنع الله في نجومه وسمائه وكواكبه وشجره وحره وبرده ورعده ومطره. ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ =١٩٠- الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ=١٩١-﴾ [آل عمران: 190-191] فكان البدوي بهذا الرأي فضل الإقامة فوق سطح الدار ليتأمل صنع القادر الحكيم ويسبحه آناء الليل وأطراف النهار.
وقد يرجع هذا عندنا إلى أن الإمام البدوي كان حييًا فاستحيا أن يعيش داخل الدار فيحد من حرية صاحب الدار وأهله. وقد يكون ذلك أيضا لتأثره بالعراقيين وقد عاش بينهم عاما، فأهل العراق يفضلون النوم فوق السطح في شهور الصيف شديدة الحرارة.
وفوق السطح عاش البدوي وحوله الأتباع من السطوحيين. ويقال أن غيابه كان أكثر من حضوره وكانت تأتي عليه الأربعين يوما لا يأكل فيها ولا يشرب ولا ينام، وهو شاخص ببصره إلى السماء.. وكان إذا عرض له حال يصيح صياحا متصلا ويكثر من الصياح وهذا ما جعل الناس تتحير في أمره، لكن سرعان ما زال شكهم إلى حد ما حينما لمسوا بركاته. فدخل في طريقته قوم لا يحصون واتسعت شهرته وعمت الآفاق.
هذه صورة سريعة عن رحلات السيد الشريف الملثم([17]) السطوحي الصامت
سيدي أحمد البدوي ننتقل بعدها لنتعرف على كراماته، وطريقته، وتصوفه، وصلة البدوي بالتشيع إن كانت هناك صلة.
والحق أن شخصية البدوي شخصية ثرية خصبة شوهتها كتب المناقب والمحبين حين حاولوا أن يجعلوا من البدوي أسطورة غريبة. فغربوا الرجل وطاروا به عن عالم الواقع ليقدموه لنا صورة أقرب إلى صورة القوة والقدرة فإنه لا يتحرك إلا بأمر ورؤيا منامية كما رأينا ولا ينتقل من مكان إلى مكان إلا بهاتف منامي يأمره بأن يرحل إلى العراق أو طنطا. بل زعموا أنه «كان يخاطب الأولياء السابقين والصوفية المتقدمين، ويتصل بأهله في مكة، ويرى النبي صلوات الله وسلامه عليه ويصعد إلى السماء ويشاهد ما يقدر وراء الغيب للخلائق ويطلع على مشاهد الجنة والنار، وكل هذا عن طريق الرؤيا في المنام»([18]).
ويقول البعض: «ومثل هذا الهاتف المنامي لا يمكن للباحث أن يضعه تحت حكم قاطع جازم بالصدق أو الكذب، فإن علم النفس لا ينكره، بل يبرره ما دام العقل مشغولا به متلهفا عليه، وما يفكر الإنسان فيه يقظة يحلم به مناما.. فمرجع الصدق والكذب في هذا إلى الشخص نفسه، وقد يكون السيد رأى هذه الرؤيا أو رأى بعضها، أو لم ير شيئا منها قط، وقد يكون هذا كله من تلفيقات الدارسين والأتباع»([19]).
وليس الإمام أحمد البدوي وحده هو الذي لا يتحرك من مكان إلى مكان إلا برؤيا. فالحق أن الرؤيا تكاد تكون صفة عامة يشارك فيها البدوي كثير من الصوفية.
وبعد.. فإن الرأي الذي نقول به: أن البدوي كان رجلا تقيًا ورعًا جاء من قبل رفاعي العراق بعد أن توفي رجلهم الكبير أبو الفتح الواسطي مبشر الطريقة الرفاعية بمصر.. أرسلوه عوضا عن الواسطي لما توسموا فيه من صلاح وزهد وذكاء أيضا. ولهذا نجد أن ذكاء البدوي قد وضح بمجرد مجيئه مصر وانتشار طريقته البدوية السطوحية بها انتشارًا سريعا.
ثانيا: كرامات سيدي أحمد البدوي:
امتلأت كتب المناقب بكرامات لا تحصى ولا تعد حول هذه الشخصية الصامتة الملثمة.. والذي لا نشك فيه أن السيد البدوي شخصية واقعية حقيقية وليست شخصية أسطورية خارقة للعادة ولكن الأتباع والمنتفعين شوهوا الصورة الجميلة للرجل الكريم.. أضافوا إليه كرامات غريبة.. بل إن بعضهم جعله في مرتبة أعلى من مرتبة الأنبياء، وأضافوا إليه القدرة على إحياء الموتى وشفاء المرضى وقوله للشيء كن فيكون بإذن الله.
يقول الدكتور سعيد عاشور: «من الثابت لدينا أن الكتابات التي دونت عن السيد البدوي وحياته يرجع معظمها إلى العصر العثماني، وهو عصر يوصف في تاريخ مصر بالجمود والتأخر وانتشار الجهل، وعبرت هذه النواحي كلها عن نفسها أتم تعبير في دنيا التصوف في ذلك العصر، إذ أصبح التصوف عندئذ أداة لكسب العيش من أهون الطرق، احترفه أدعياء استغلوا الجهل المطبق المحيط بهم في التلاعب بعقول الناس ومشاعرهم»([20]).
ومن هنا كان من مصلحة هؤلاء الأدعياء نشر المعتقدات الخاطئة حول السيد البدوي «وكان من المستحيل على كتاب سيرة السيد البدوي أن يدونوا سيرته العطرة خلوا من تلك الروح التي سادت عصرهم، لأنهم كانوا يكتبون لأناس يعيشون حولهم، ويقومون الأولياء بمقدار ما يتهيأ لهم من كرامات وما يتحقق على أيديهم من معجزات في -حياتهم ومماتهم- لا على أساس مثلهم وسلوكهم، لذلك جاءت سيرة السيد البدوي كما كتبها السابقون محشوة بكثير من القصص الخرافية، وظنوا أنهم بذلك إنما يسترضون السيد البدوي لأنهم يظهرون عظمته، وينسبون إليه من خوارق الأعمال ما هو كفيل بأن يعلي من قدره في نظر العباد والمريدين([21]).
فها هو الشعراني مثلا يحكي لنا حكاية غريبة لا أعرف من أين استقاها يقول في طبقاته: «.. وأما أمر سيدي قمر الدولة.. فلم يصحب سيدي أحمد زمانا إنما جاء
من سفر في وقت حر شديد فطلع يستريح في طندتا فسمع بأن سيدي أحمد ت ضعيف، فدخل عليه يزوره.. وكان سيدي عبد العال([22]) وغيره غائبين فوجد سيدي أحمد قد شرب ماء بطيخة وتقيأه ثانيًا فيها فأخذه سيدي محمد قمر الدولة وشربه. فقال له سيدي أحمد: أنت قمر دولة أصحابي. فسمع بذلك سيدي عبد العال والجماعة فخرجوا لمعارضته وقتله بالحال. فرمح فرسه في البئر التي بالقرب من «كوم التربة النفاضة». فطلع من البئر التي بناحية «نفيا» فانتظروه عند البئر الذي نزل فيها زمانا فجاء الخبر أنه طلع من تلك البئر التي قرب «نفيا» فرجعوا عنه فأقام بنفيا إلى أن مات لم يطلع طندتا خوفا من سيدي عبد العال»([23]). وأنا أتساءل: إذا تقيأ إنسان ما مهما كانت مكانة هذا الإنسان وحيثيته.. أي نفس تستطيع أن تتجرع قيء معدة إنسان آخر؟ وهل من السهل علينا أن نتصور أن سيدي عبد العال خليفة سيدي أحمد البدوي وتلميذه الكبير الذي قال عنه الشعراني نفسه أن عبد العال «استخلفه البدوي على الفقراء بعده وسار سيرة حسنة»([24]). أظن أن مثل سيدي عبد العال لا يفكر في محاولة قتل محمد قمر الدولة الذي استغل غيابه فشرب قيء سيدي أحمد البدوي.. ما أظن أن وليا وتلميذا هو أكبر تلامذة الإمام البدوي مقاما وكفاءة يفكر في القتل حسدا وغيرة وحقدا..
ويحدثنا الشعراني مرة أخرى عن البدوي جلاب الأسرى فيقول: «شاهدت أنا بعيني سنة خمس وأربعين وتسعمائة أسيرا على منارة سيدي عبد العال ت مقيدا مغلولا وهو مخبط العقل فسألته عن ذلك فقال:.. بينما أنا في بلاد الفرنج آخر الليل توجهت إلى سيدي أحمد البدوي فإذا أنا به فأخذني وطار بي في الهواء فوضعني هنا فمكثت يومين ورأسه دائرة عليه من شدة الخطفة ت قاله الشعراني»([25]).
وهذه فكرة عاشت فترة طويلة بين عامة الشعب «والاعتقاد الشائع بين العامة أن السيد ظل ينقذ الأسرى بعد مماته إلى عصر متأخر، وأنه لم يكلف عن ذلك إلا بطلب من المرحوم محمد سعد الدين باشا الذي كان مديرًا للغربية([26]).
ويقول الأستاذ عبد اللطيف فهمي: «ويبدو لي أن مسألة الأسرى هذه ترجع إلى واقعة تاريخية مشهورة، ذلك أن وزارة الأوقاف قد أرسلت بالسيوف والدروع التي غنمها الجيش المصري من جيش لويس التاسع الذي أسر في دار ابن لقمان بالمنصورة لتخزن في مخزن المسجد الأحمدي فكان دراويش السيد وأتباعه يتقلدون هذه الدروع والسيوف في مواكب الموالد الأحمدية، ويزعمون للناس أنهم الأسرى الذين جاء بهم السيد من بلاد أوربا، فلما تقدمت الأيام انتقلوا بهذا الزعم نقلة ثانية.. فقالوا أنهم سلائل أولئك الأسرى، والعجيب في هذا كله أن تترك الحكومة المصرية هذه الدروع والسيوف التاريخية نهبا للضياع في أيدي أولئك المعتوهين»([27]).
ويبدو لنا أن الأتباع من كتاب المناقب قد وقعوا في حب شيخهم وجعلهم هذا الحب الغريب يشتطون في خيالهم فهاموا في الأسطورة ينسجونها ويحيكونها حول شيخهم متصورين أن تهويل كرامة الشيخ إجلال له.
ونحن كما ذكرنا من قبل لا ننكر الكرامة وإنما نقول أن هناك تزيدا في بعض الكرامات ومبالغات كثيرة وإضافات.. أما الكرامات في حد ذاتها فلا سبيل إلى إنكارها لأنها ليست منسوبة إلى قدرة الولي وإنما هي منسوبة إلى قدرة الله. ولا حرج على منن الله وإكرامه عباده وأولياءه الصالحين.
لكن يبدو أن هدف البعض «من المبالغة في هذه الكرامات هو إظهار السيد أحمد البدوي في صورة قطب الأقطاب وولي الأولياء وكبير الصالحين والعباد، فمن
أراد قضاء حاجة فلا داعي لإضاعة الوقت والجهد في الطواف على صغار المشايخ وإنما عليه بالتوجه إلى مقام السيد أحمد البدوي مباشرة، وبقدر المدفوع يكون الأجر والثواب([28]).
إننا لا نهتم كثيرًا بالكرامات الحسية وإنما نرى أن أكبر كارمة لولي من أولياء الله تعالى هو أن يأخذ العهد على مريده بالتوبة والرجوع إلى الله وسنة رسوله ×. «.. فإن استطاع الولي أن يأخذ العهد على أكبر عدد من الأتباع المخلصين وأن يعملوا بهذا العهد فإنه يكون حقا قد حقق أعظم كرامة في طريقه.. طريق الله تعالى».
يقول فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود: «إن كرامة السيد الكبرى هي أنه ربى رجالا، وكون أبطالا مجاهدين في سبيل الله.. إن مدرسة السيد منذ أنشأها فوق السطح لا تزال تعمل. وقد افتتحت لها فروع في جميع أنحاء العالم وفي كل جيل من الأجيال يهتدي بسبب دعوته آلاف الأشخاص في مختلف المستويات([29]).
ثالثا: البدوي والتشيع:
يرى بعض الكتاب أن البدوي كان داعية للشيعة والفاطميين في مصر.. وأنه جاء لهذه البلاد تحت ستار التصوف وتأسيس طريقة صوفية وإن كان في الحقيقة يحمل بين جنبيه أغراضا وخططا علوية لم يفصح عنها ولم يستطع أحد كشفها.. فيقول مثلا الأستاذ الكبير المرحوم أحمد أمين في ضحى الإسلام: «.. لكن الرجل كان ذكيا فطنا، فقد جاء إلى مصر وافدا غريبا وهو يعلم ما يساور نفوس الأيوبيين الذين يحكمون البلاد من الريبة في كل حركة تتراءى لهم، حتى لا تكون مؤامرة لإعادة سلطان الفاطميين، فماذا يقولون في شيخ غريب وافد من مكة وصلته معروفة بالمغرب الذي هو الوطن الأول للدعوة الفاطمية، وقد جاء إلى مصر ليرث
شيخا صوفيا([30]) في دعوته، ويزيد في جمع الأتباع والمريدين على طريقته؟ وأكثر من ذلك فقد كانت الإسكندرية يوم ذاك كما كانت جميع الثغور تحت مراقبة الحكام ومجال عيونهم وأرصادهم احتياطا لما يقع عليهم من الإغارات الصليبية. ويقظة لما يجرى في تلك الأطراف من منازعات واتجاهات ودسائس. وكان السيد البدوي يعرف هذا. وكان الرجل يؤثر السلامة في دعوته ويأخذ لها طريق الإرشاد والهداية حتى تختمر وتخالط النفوس عقيدة راسخة ثابتة، وكان من أهل التقية فيما يرى من رأى. وفيما يسعى إليه من غرض وتلك كانت وجهة العلويين وخطتهم التي آثروها فيما يرومون من شأن. ولهذا كله آثر السيد فيما يبدو لنا أن ينفرد في طنطا وأن يتخذ دار إقامة، وأن يجعلها قاعدة لدعوته وأتباعه حتى يكون بعيدا عن أنظار أهل السلطان، وحتى يكون في موضع وسط من البلاد([31]).
ومثل هؤلاء الباحثين الأفاضل يرون أنه تحت ستار التصوف أرسل العلويين دعاتهم ويرون أن أستاذهم الأكبر هو أبو الفتح الواسطي تلميذ سيدي أحمد الرفاعي.. فها هو فضيلة الشيخ مصطفى عبد الرازق يكتب مقالا في «السياسة الأسبوعية» عن الموالد الأحمدية يقول فيه: «كان الشيخ أبو الفتح الواسطي داعيا خطيرًا، تتلمذ على السيد أحمد الرفاعي، وكان من نجباء تلك المدرسة التي أقامها ذلك الصوفي الكبير في بطائح العراق، وقد شام فيه العلويين ودعاة أهل البيت نجابة وفطنة وصبرًا يؤهله لحمل راية الطريق، فندبوه للسفر إلى الديار المصرية، فوفد على الإسكندرية من واسط عام 620هــــ ليدعو القوم على الطريقة الرفاعية.. واستطاع الواسطي أن يؤلف حشدا من الأتباع والمريدين، ثم عاجلته المنية وهو في ريعان مجده، فأسف العلويون على الفجيعة في ذلك الداعية البارع الذي خدم دعوتهم بصدق وإخلاص ومهد لها الطريق على ما يريدون في الديار المصرية. وكان عليهم أن يدبروا فيمن ينهض بهذا الأمر من بعده. فندبوا السيد أحمد البدوي لما توسموا فيه من براعة واقتدار وخبرة بمداخل الطريق»([32]).
لكن البدوي عاش في مصر قرابة أربعين عاما. وخلال الأربعين عاما هذه لم يستطع أحد أن يكتشف أن له أغراضا علوية أو أنه كان من دعاة الشيعة في مصر.
إن أربعين عاما في حياة فرد من الممكن أن تميط اللثام عن صاحبها مهما كان ملثما وغامضا.
ويبدو لنا أن الذي دفع هؤلاء الباحثين الأفاضل إلى اعتبار البدوي من دعاة الفاطميين أو أنه كان جاسوسا للفاطميين في مصر هذه الأسباب التي يعتقدون أنها تؤكد فاطمية البدوي وتشيعه. وهي:
1- اتفاق المؤرخين على أن من أجداده تسع من الأئمة الاثنى عشرية([33]).
2- تلمس نظرية تنقل النور المحمدي عند سيدي أحمد البدوي.
فيرى البعض أن السيد البدوي([34]) «هو أول من قال بنظرية تنقل النور المحمدي وعبر عنها في شعره. كما يبدو ذلك جليا في تائيته التي مطلعها -دعني لقد ملك الغرام أعنتي»([35]). ويقول عنها أنها: «نظرية لا تختلف في شيء ذي بال عن النظرية الأساسية لحزب الشيعة وطوائف المتشيعين. وأعنى بها مسألة الإمامة. فالشيعة كلهم مجمعون على أن الإمام الشرعي بعد النبي × هو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وأن الإمامة تنتقل بعده في بنيه وذريته على خلاف بين فرق التشيع إذ ذهب بعضهم إلى أن الإمامة انتقلت إلى محمد ابن الحنفية وبعضهم قال إنها انتقلت إلى الحسن. ومن بعده حلت في الحسين. وظلت في أبناء هذا الأخير. وهي لا تزال كذلك في اعتقادهم تنتقل من سلف إلى خلف بالعهد والمبايعة حتى يجيء قائم أو القيامة أو يظهر المهدي المنتظر([36]).
ويقول نفس الباحث: «وهذا هو نفس ما وجدناه عند شيوخ الخرق فإنهم يأخذون الخرقة والقطبانية من شيخ عن شيخ ومن قطب عن قطب بالعهد والمبايعة، ولكن الخلاف فقط راجع إلى رأس السلسلة، فالشيعة قد انتسبوا إلى الحسين، وأما المتصوفة فإنهم نسبوا القطبانية في أول وجودها إلى الحسن»([37]).
ويبدو أنه نسي أن الحقيقة المحمدية بدأ التعبير عنها في نهاية القرن الثاني الهجري وقد تجلت بصورة واضحة لدى التستري([38]).
ولهذا فيحسن بنا أن نقف هذه الوقفة لعرض نظرية تنقل النور المحمدي للتستري وإلقاء الضوء عليها ففيها إيضاح تفصيلي للحقيقة المحمدية([39]).
يقول التستري في خلق النبي ×: «لما أراد (الله) أن يخلق محمدًا × أظهر من نوره نورًا، فلما بلغ حجاب العظمة سجد لله سجدة.. فخلق الله من سجدته عمودًا عظيما كالزجاج من النور -أي باطنة وظاهرة فيه عين محمد ×، فوقف بين يدي رب العالمين بالخدمة ألف ألف عام بطبائع الإيمان وهو معاينة الإيمان ومكاشفة اليقين ومشاهدة الرب، فأكرمه الله تعالى بالمشاهدة قبل بدء الخلق بألف ألف عام وما من أحد في الدنيا إلا غلبه إبليس لعنه الله فأسره الأنبياء صلوات الله عليهم والصديقين الذين شاهدت قلوبهم إيمانهم في مقاماتهم، وعرفوا اطلاع الله عليهم في جميع أحوالهم فعلى قدر مشاهدتهم يعرفون الابتلاء، وعلى قدر معرفتهم الابتلاء يطلبون العصمة، وعلى قدر وفاقهم إليه يعرفون العز والنفع، ويزدادون علما وفهما ونظرًا... ما حمل الله على أحد من الأنبياء ما حمل على نبينا محمد × من الخدمة. وما من مقام خدمة خدم الله تعالى بها من ولد آدم عليه السلام إلى بعث
نبينا محمد × إلا وقد خدم الله بها نبينا محمد ×».
وتسجل بعض المراجع أن التستري تلقى فيما تلقى عن الخضر عليه السلام أن النبي محمد × قد خلق من نور الله وبيده صوره، وقد ظل هذا النور في حضرة الله مائة ألف من السنين وفي كل يوم يضفي عليه من ضياء وبها. نظر به المزيد والشرف. وأن من هذا النور خلقت جميع الأشياء، ويؤكد التستري في مقام آخر أن نور النبي × شامل وكلي وأن أنوار جميع الأنبياء مشتق منه، كذلك أنوار الملكوت في الدنيا والآخرة. إن الله سبحانه خلق محمدًا لأجله، وخلق آدم لأجل آدم ذاته، وخلق المؤمنين لعبادته وخلق الأشياء لأجل ابن آدم. هكذا يحدثنا التستري ذاكرًا حديثًا نبويًا لا يخلو من التساؤل حول ما أوحي لداود بهذا الشأن. ويضيف التستري إلى ذلك قوله. فإذا اشتغل (الإنسان) بما خلقته من أجله حجبته عما من خلقته من أجلي. أي حجبته عن حقيقة النبي ×. إن هذه الحقيقة هي التي بدأ الله بها الأشياء وهي التي يختم بها.
ومن أجل ذلك كان الرسول خاتم الأنبياء. فحقيقة النبي هي ألف وباء الخلق والوجود. وأن اسم النبي محمد × مكتوب -كما يذكر التستري- على كل ورقة شجر في الجنة، ولم تغرس شجرة إلا باسمه أو على شرفه.
ويستند كثير من الصوفية في تأييد فكرة أسبقية الوجود المحمدي لوجود الكائنات على بعض الأحاديث التي لم تسلم من الشك والتجريح مثل حديث: «كنت نبيًا ولا آدم ولا طين ولا ماء». وقد أنكر بعض الدارسين مثل هذه الأحاديث لما تؤدي إليه من فكرة قدم الرسول ولا قديم إلا الله سبحانه، أي أنها تؤدي إلى فكرة تعدد القدماء، تلك الفكرة التي وقع فيها بعض الفلاسفة المسلمين أنفسهم، وأخذهم عليهم الغزالي في التهافت. ويشرح الغزالي الحديث السابق على أنه يعني أنه كان مقدرا أن يكون النبي نبيا قبل الخلق، فالذي سبق الخلق هنا إذن هو التقدير والإيجاد، ولكن هذا التأويل لا يسلم من الاعتراض على أساس أن وجهة
النظر الإسلامية تقضي بأن يكون كل شيء قد سبق العلم به والتقدير له، وإذن فلا معنى لاستثناء الرسول وخصه بهذا السبق وذلك التقدير.
وفكرة التستري في أسبقية الوجود المحمدي على الخليقة لا تعني بالضرورة قدمه، لأن التستري قد أشار إلى فترة العبادة بحد وقدر معين، مما يتعارض تماما مع فكرة القدم، ثم إنه بالإضافة إلى ذلك أشعرنا بأنه لما تعلقت الإرادة بالإيجاد أوجد هذا النور، وكل ذلك يوحي بلا شك بوجود مرحلة تسبق هذا الوجود مما يتعارض أيضا مع فكرة القدم، لأنه حينما وجدت صفة القدم انتفت فكرة الماضي والمستقبل.
والنظرة المنصفة -كما يقول الدكتور جعفر- لا تستبعد استيحاء التستري لبعض الآيات القرآنية التي تصف الرسول × بأنه نور وبأنه سراج منير، خاصة وأن التستري نفسه يعلق على الآية القرآنية: ﴿..قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة:15]. بقوله: «أن النور هو محمد ×، والكتاب هو القرآن». وهذا تفسير لا تكلف فيه ولا شطط. كما أنه لا يستبعد أن يكون التستري استوحى الآية القرآنية: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ﴾ [الزُّخرف:81]. سواء كان المعنى فأنا أحق بأن أكون أول العابدين لهذا الولد على فرض وجوده. تنزه الله عن ذلك، أو فالأولى أن أكون هذا الولد لأنني أول العابدين. فالآية على أية حال مهما كانت في مجال الفرض تشير بما لا يدع مجالا للشك إلى رتبة النبي وأولويته سواء كان ذلك على سبيل التكريم الإلهي، أو الاعتراف المحمدي بالمسئولية العظمى بناء على مقامه الجليل.
ويتابع الباحث الفاضل نظرية الحقيقة المحمدية فيقول: «ولا جدال في أن وصف النبي × بأنه نور أو سراج أو شمس إنما هو مستمد من القرآن مباشرة لا سيما إذا لاحظنا أن التستري يعتمد تماما على الآية القرآنية ﴿...قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة:15]. وعلى الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا =٤٥- وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا =٤٦-﴾ [الأحزاب: 45-46]. فيذكر التستري بالنسبة للآية الأولى أن الله سبحانه تحدث عن شيئين جاءا إلينا: أولهما النور، وثانيهما الكتاب، والكتاب هو القرآن، فلم يبق إلا أن يكون النور هو محمد ×.
وإذا كانت حقيقة النبي في خالص جوهره نورا محضا. فإن هذه الحقيقة مستورة ومنطوية عن هؤلاء الذين غلظت أكنة قلوبهم، وحبست أنفسهم وغلظت طباعهم وأعمتهم ماديتهم عن إدراك هذه النور أو الانتفاع به.
وبعد ذلك كله لا يغفل التستري حقيقة أن الأنبياء قد أخذ عليهم الميثاق بأن يخدموا الغاية الآلهية من الرسالة بتأييد جوهرها المتمثل في رسالة محمد ×: وهو يذكر الآية القرآنية الكريمة: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران:81].
ثم يقول الدكتور جعفر: إننا لا نجاوز الحقيقة إذا قلنا أنه بصرف النظر عن بعض العناصر الغنوصية التي قد تكون تسربت في تراث التستري فإن التستري لم يكن يستوحي في الحقيقة المحمدية إلا الحب الفياض للرسول وبعض النصوص الإسلامية. فهو الذي يقول: من لم ير نفسه في ملك الرسول × ولم ير ولاية الرسول × في جميع الأحوةال لم يذق حلاوة سنته بحال، لأن النبي × هو أولي بالمؤمن والنبي × يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين».
هذه هي فكرة الحقيقة المحمدية في جوهرها منذ أن عبر عنها التستري في نهاية القرن الثاني الهجري.
ومن العجيب أن الخوانساري اتهم التستري بعدم أخذه من الشيعة... أما بعض باحثينا فيرون غير ذلك. بل يصرون أنها فكرة شيعية تماما... فهم يرون أن: «كل ما بين أصحاب نظرية الحقيقة المحمدية، وبين مذهب الفاطميين من فرق لا يخرج عن الشكل والتسمية فالمتصوفون يقولون قطب وقطبانية، والشيعة إمامة وإمام وإن كان ثمة فرق جوهري بينهما فهو راجع إلى أن الشيعة يجعلون الإمامة وقفا على سلالة علي، أما المتصوفة فإنه لا يشترطون في القطبانية أرومة ولا نسبا على الإطلاق وعلى ذلك نستطيع أن نقول أن الدسوقي والبدوي وغيرهما من شيوخ الخرق كانوا من قبل أن يتصوفون متشيعين([40]).
هكذا حكم الباحث ببساطة على شيوخ الخرق بالتشيع لمجرد قولهم بالقطب والقطبانية.
ومع أننا قد نجد في بعض أقوال سيدي أحمد البدوي ما يوحي بالقول بالقطبانية مثل قوله في إحدى وصاياه لتلميذه عبد العال: «يا عبد العال. تأدب مع المشايخ واعلم أن منزلة الشيخ في قومه كمنزلة النبي في أمته([41]) لكن هذا لا يجعلنا نغالي في الأمر مغالاة زائدة فنتهمه بأنه كان يتبطن التشيع. فنحن لا نقول بمثل ما قاله هؤلاء العلماء الأجلاء بأنه كان داعية للشيعة وأنه كان جاسوسا فاطميا وإنما أخفف من غلوائهم. وأقول لهم: أن صاحب الطريقة البدوية قد نتلمس في طريقته آثار أو صلات شيعية لكن هذه الآثار لا تصل به أبدا لأن يكون داعية أو جاسوسا فاطميا.
ولقد دافع فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه عن السيد البدوي دفاعا حارا
وحاول أن يفند تهمة الفاطمي التي ألصقها البعض به وقولهم بأنه كان جاسوسا فاطميا في ضوء هذه الحقائق([42]).
أولا: لأن حياة السيد البدوي في نفسها خلصت لله، لقد كان يصوم نهاره وكان إذا جن الليل فإنه في قراءة القرآن، وكان منصرفا بكيانه كله إلى الهداية إلى الله، وإنسان هذه حالته لا يتأتى له أن يكون جاسوسا فاطميا.
ثانيا: ما كان يعجز الدولة الأيوبية أن تلقي بالسيد في غيابة جب، أو في أعماق سجن، بل وما كان يعجزها إعدامه، أو إخراجه من البلاد لو شمت فيه ولو من بعد، رائحة الجاسوسية للفاطميين.
ثالثا: لم يلاحظ شخص ما من المحيطين بالسيد أنه ذكر الفاطميين أو دعا إليهم، أو تحدث عن أيامهم أو ذكرهم على أي وضع من الأوضاع.
وأنا أود أن أكرر ما قلته: لقد عاش سيدي أحمد البدوي في مصر قرابة أربعين عاما كاملة.. وأعتقد -كما قلت- أنه لا يستطيع إنسان مهما أوتي من قدر على التستر والغموض أن يظل أربعين عاما دون أن يفصح عن حقيقة نواياه.
ومن ناحية أخرى أستطيع أن أقول بلا مواربة أن سيدي أحمد البدوي صاحب الجذور العلوية العريقة نسبا ودما –أنه لو حدث أن قامت على أنقاض الدولة الأيوبية -التي أنهت وجود الفاطميين في مصر- دولة فاطمية وليست دولة المماليك لكان البدوي أول من يؤازر هذه الدولة..
ذلك أن السيد البدوي كان يؤكد على نسبه العلوي الشريف ولهذا فإن أهم ما أحضره معه حين قدم إلى مصر سلسلة نسبه الشريفة.. وهذا لا يعني –بالطبع- أنه كان للبدوي أهداف سياسية. فالحق أن كل الدلائل تشير إلى أنه كان رجلا صامتا معظم حياته، صائما نهاره قائما ليله.. ورجل كهذا ينبغي أن يكون في سلام مع نفسه ومع من حوله ولا يستطيع أن يحقق ذلك إلا إذا بعد عن السياسة والحكم.
أما عن صلة الظاهر بيبرس بالبدوي فقد فندنا من قبل قصة استقبال بيبرس للبدوي حين قدم إلى مصر على أساس أن الملك الظاهر لم يكن قد تولى حكم مصر بعد على نحو ما بينا. لكن الظاهر بيبرس على أية حال كان معاصرا للبدوي فقد تولى حكم مصر سنة 658هــــ وقد عاش البدوي في مصر في الفترة ما بين سنة635هــــ وسنة 675هــــ.
والظاهر أن بيبرس كان ممن يعتقدون في الأولياء والكرامات فكان ممن يحرصون على زيارة الأحياء منهم وكذا قبور الأموات منهم.
ومن المحتمل أن يكون الظاهر بيبرس استقبل الشريف حسن شقيق البدوي حين قدم مصر لزيارة شقيقه البدوي كرد من الظاهر على الحفاوة التي استقبل بها من الشريف حسن حين ذهب للحج.. يقول الشريف حسن: «.. سافرت إلى مصر وكان قد خرج معنا أربعون سيدا من أشراف مكة والمدينة مشتاقين إلى رؤية أخي أحمد فلما وصلنا إلى مصر نزلنا بقلعة الجبل بالقرب من المدينة فلما علم الملك الظاهر بقدومنا أرسل الأمراء لملاقاتنا فلما وصلوا وسلموا علينا ثم جلسوا.. إذا بالملك الظاهر قد أقبل ومعه الحجاب والنواب فقام له جميع الأمراء وكل من كان حاضرا. فنزل وعانقني وضمني إلى صدره ثم قال: بسم الله سيروا معي إلى قصري»([43]).
الحق أن السيد البدوي لم يكن له في مصر أهداف سياسية. وإنما كان رجلا
«وهب نفسه لله، ملتزما أمرين لم يتخل عنهما طيلة حياته أحدهما مجاهدة نفسه بالعبادة والزهد والتقوى. والثاني هداية الناس على أساس من الكتاب والسنة»([44]).
هذه هي الصورة التي ينبغي أن نضع فيها السيد البدوي بلا تعصب أو تحزب، وإلا بماذا نفسر اتباع كل هؤلاء الآلاف من المسلمين لطريقته – لقد انضم لهذه الطريقة عدد من أكبر عقلاء الأمة والنابهين لأنهم يعلمون أن في اتباع الطريقة تربية وإصلاحا للنفس والروح.. يكفي ذلك العهد الملزم بين الشيخ ومريده على الاستقامة وإصلاح النفس وإعلاء الروح وذلك بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله ×.
يقول البدوي نفسه عن طريقته: «هذه طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة والصدق والصفاء، وحسن الوفاء، وحمل الأذى، وحفظ العهد»([45]). ووصفه فولزر «Vollers» بأنه أكبر أولياء مصر ومحل تقديس أهلها منذ قرون»([46]).
لقد كانت غايته.. هي غاية الطريق الصوفي وهي: «غاية خلقية تتمثل في إنكار الذات والصدق في القول والعمل والصبر والخشوع ومحبة الغير والتوكل وغير ذلك من الفضائل التي دعا الإسلام إليها»([47]).
إن غاية الطريق الصوفي هو: الله تعالى: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنْتَهَى﴾[النَّجم:42]. ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ =١٦٢- لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ =١٦٣-﴾[الأنعام: 162-163].
لقد كان تصوف البدوي هو التصوف الإسلامي المعتدل الذي يهتم بالجانب الخلقي العملي.
البدوي.. تراثه وآثاره
لم يترك السيد البدوي مؤلفات أو كتب مدونة. فلم يذكر المناوي شيئا من شعر البدوي ولكنه قال: ينسب إليه شعر، وهو على كثرته ملحون، وقد نسب إليه عبد الصمد زين الدين أشعارا عديدة بكتابه الجواهر قال عنها أنها منسوبة بعضها إليه بلسان الحال والآخر بلسان المقال. «ولأن معظمها من الشعر الضعيف الذي لا نستطيع أن ننسبه إلى حال أو مقال فإننا نشك في نسبتها لسيدي أحمد البدوي».
ويتمثل تراثه الأدبي في وصاياه لتلميذه عبد العال وهي وصايا عامة من أستاذ لتلميذه وتنسب إليه أيضا صلاتان وحزبان([48]) حقيقة أنه لم يكن لسيدي أحمد البدوي تراث فكري كبير.. ولكن أجمل أثر تركه هو الهداية.. فقد أخذ السيد البدوي العهد على مريدين كثيرين هداهم إلى طريق النور. وبايعوه على التوبة والعمل الصالح والعمل بكتاب الله وسنة رسوله.. وهذا أعظم أثر يتركه شيخ في نفوس مريديه.
طنطا.. ومولد سيدي أحمد البدوي
يعتبر مولد سيدي أحمد البدوي أكبر موالد مصر قاطبة([49]) ولقد زاد في
شهرة طنطا مقام سيدي أحمد البدوي بها حيث شيد هناك أكبر مساجدها الذي يقول عنه علي باشا مبارك في خططه: «إنه لا يفوقه في التنظيم وحسن الوضع والعمارة من المساجد إلا قليل»([50]).
ولقد كان (لمقام السيد البدوي تأثير شديد جدا في ربط الأقاليم المصرية بعضها ببعض: فقد كان كثيرا من أهل الصعيد لا يرون القاهرة ولا يعرفون شيئا عن مصر الشمالية إلا بمناسبة مولد السيد البدوي) ([51]).
ولقد ترتب على وجود مقام سيدي أحمد البدوي بطنطا إقامة صندوق النذور بمسجده.. وحصيلة هذا الصندوق يأخذ بعضها خلفاء طريقته والبعض الآخر يصرف على توسعة وإصلاح المسجد ثم ترتب على ذلك أيضا تلك الأوقاف الضخمة التي أوقفت باسم السيد أحمد البدوي.
فروع الطريقة البدوية:
بعد وفاة سيدي أحمد البدوي وانتشار تلاميذه في كل مكان. تفرعت الطريقة البدوية إلى ست عشرة طريقة. وهي:
المرازقة، الكناسية، الانبابية، المنايفة، الحمودية، السلامية، الحلبية، الزاهدية، العشيبية، البيومية، التسقانية، الشناوية، العربية، السطوحية، المسلمية البندارية، وهذه الفروع تسير في نهجها على طريقة البدوي فيتلو أهلها أحزابه وصلواته ويتدارسون تعاليمه ووصاياه.
الطريقة البدوية وكيفية المتابعة عليها
تقوم الطريقة البدوية على لبس الخرقة، من شيخ عن شيخ والعهد بها والمبايعة والخرقة البدوية خرقة حمراء.
قال البدوي يوصي تلميذه الكبير عبد العال: «يا عبد العال اعلم أني اخترت هذه الراية الحمراء لنفسي في حياتي وبعد مماتي. وهي علامة لمن يمشي على طريقتنا من بعدي.. قال: فقلت له: يا سيدي فما شروط حملها؟.. قال: من شروطه أن لا يكذب ولا يأتي بفاحشة وأن يكون غاض البصر عن محارم الله تعالى طاهر الذيل عفوف النفس خائفا من الله تعالى عاملا بكتاب الله تعالى ملازما للذكر دائم الفكر»([52]).
ويقول ابن عبد الصمد: «اقتدى سيدي أحمد البدوي بجده رسول الله × في لبس الحلة الحمراء، روي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله × كان له حلة حمراء يلبسها في الأعياد والجمع([53]).
ذكر صاحب النفحات الأحمدية وصاحب الجواهر السنية([54]): أن الشيخ يونس بن أزبك الصوفي ذكر كيفية المتابعة على الطريقة البدوية فقال: اعلم أن المبايعة بالقدوة ومعناها الإرادة والتسليم من المريد. أما المراد هنا فهو الله سبحانه وتعالى. وتكون المبايعة على طاعة الله تعالى ومحبته لا على شيء من أمور الدنيا مطلقا فإذا اختار المريد أي رقعة كانت من رقع المشايخ فحينئذ يجب على الشيخ الواصل الموصل للمريدين أن يسأل عن حال المريد ثم يقول له: ما مرادك يا أخي؟ فإذا قال له: جئت إليك يا أستاذي لتعهد إلي بالقدوة وتسلكني بتسليك العارفين. فيقول له الشيخ: أنت اخترتني من دون الناس لأكون دليلك على الخير فأنا لا آمرك إلا بالمعروف ولا أنهاك إلا عن المنكر وسأكون لك بعون الله تعالى عونا على المعرفة والعلم الشريف النافع لعل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا وإياك علما نافعا وأن يجعل لنا من فضله قلبا خاشعا ونورا فيه ساطعا وأن يرزقنا من بحر كرمه رزقنا واسعا وأن يفتح
علينا فتحا ربانيا وإلهاما صمدانيا وأن يحفظنا من إبليس وجنوده وأعوانه للنفس والهوى والغرور والباطل وأن يشفينا من كل داء لكي نخدمه ونوحده على الدوام متوسلين إليه بجاه حبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه صاحب الجاه العظيم ثم يقول: وأنت يا ولدي اخترت لنفسك الدخول في رقعة سيدي أحمد البدوي ت وأن يكون شيخنا شيخ الشيوخ أنس بن مالك صاحب رسول الله × رضي الله تعالى عنه (وكلهم من رسول الله ملتمس) ورضيت بأن تكون لي سميعا مطيعا محبا لي ولإخوانك فإذا أجاب المريد عن هذا كله وقال: نعم يا أستاذي وعمدتي وملاذي. قال الشيخ حينئذ: قبلتك قبلتك قبلتك يا أخي في الله تعالى من الأحبا. ثم يأمره الشيخ بالوضوء وأن يصلي لمولاه ركعتين بنية التوبة لله عن جميع الذنوب والخطايا سهوا أو عمدا خفية وجهرا لخبر: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». ثم بعد السلام يأمره الشيخ بأن يقول بنية خالصة لمولاه المطلع على ظاهره وخافيه: تبت إلى الله توبة نصوحا وندمت على ما فعلت وعزمت على أن لا أعود أبدا وأشهد الله وجميع خلقه علي بذلك وأسأل الله الكريم بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وذريتهم من الصالحين أجمعين أن يتقبل مني توبتي. ثم يقول له الشيخ: قل([55]) الله معي، الله ناظر إلي، الله شاهد علي (أي في جميع حركاتي وسكناتي كلها. ثم يقول للمريد: إنك يا ولدي ما دمت تلاحظ تفسير هذه الكلمات على الدوام ملازمة أذكارك كل يوم عقب كل صلاة فرض أو نفل عشر مرات يصحح الله توبتك وتكون من التائبين المخلصين ويرى الشيخ أن الله سبحانه وتعالى هو التواب على عباده في الحقيقة وإنما هو واسطة بين الله وبين عبده فقط فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل شيء سببا سبحانه مسبب الأسباب ومجري السحاب وجعل الشيخ سببا ظاهرا لأجل تسليك -أي توصيل- المريد إلى معرفة طرق القوم الموصل إلى محبة الله وملائكته وكتبه ورسله وإخوانه في الله أجمعين.
ويستحب للمريد من طلبة العلم النافع أن يصلى لله سبحانه وتعالى قبل الوصول بالعهد صلاة التوبة المذكورة في المطولات وصفتها أن يقوم المريد مبتغيا الوضوء الظاهر والباطن وهو أن يقول عند غسل الوجه: استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه وأسأله التوبة والمغفرة والنجاة من النار توبة عبد ظالم لنفسه معترف بذنبه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا (ثلاث مرات).. وبعد ختم الوضوء ودعواته المذكورة بكتب الفقه يقرأ آية الكرسي مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر (ثلاثا) ثم يقول: استغفر الله العظيم ألفا في آلاف في آلاف.. وأسألك اللهم ألطافا في ألطاف في ألطاف. اللهم بالبيت والمحراب وقبر نبيك سيدنا محمد × أن تلطف بي فيما سطرته علي في أم الكتاب يا كريم يا تواب يا مجيب يا وهاب. ثم يصلي على النبي × بما يلهمه الله من الصيغ عشر مرات فهذا وضوء الخواص فاختر لنفسك ما يحلو.
وأما صفة صلاة التوبة فهي أن يقوم مستقبلا للقبلة فيقول: أصلي لله تعالى خالصا مختصا ركعتين صلاة التوبة. الله أكبر.
ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك. أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ويقرأ الفاتحة وسورة إذا جاء نصر الله والفتح. وفي الثانية الصمدية ثم بعد السلام منهما يقول: استغفر الله العظيم لي ولوالدي ولأصحاب الحقوق علي وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. إنك سميع قريب مجيب الدعوات. يقول ذلك سبعة وعشرين مرة متوالية ثم يقول دعاء التوبة ثلاث مرات وهو هذا: اللهم صلى على سيدنا محمد صلاة موصولة بالمزيد وعلى آله وصحبه وسلم. اللهم تب علينا قبل مرض موتتنا توبة ترضيك وترضى بها عنا يا رب العالمين. اللهم وفقنا لما يرضيك يا كريم. رب اغفر وارحم وتب واعف وتجاوز عما تعلم إنك سبحانك تعلم ما لا نعلم. إنك علام الغيوب وأنت الأعز الأكرم برحمتك يا أرحم الراحمين يا مجيب السائلين يا قابل التائبين
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين.
ثم يقوم المريد من مكانه الذي صلى فيه ويدخل مع إخوانه حلقة الذكر لأجل تصفية قلبه للطريق الموصل لمحبة خالقه وأحبابه.
وبعد الانتهاء يجلس بين يدي شيخه ويكون الشيخ مستقبل القبلة بالخضوع والخشوع والوقار فإنه أمر عظيم. ثم يستغفر الله سبحانه وتعالى بهذا الاستغفار (أستغفر الله العظيم) الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. يقول ذلك ثلاث مرات. ثم يقول: وأسأله التوبة والمغفرة والنجاة من كل ذنب أذنبته عمدا أو خطأ، سرا أو علانية وأتوب إليه من الذنب الذي أعلم به والذي لا أعلم به إنه هو علام الغيوب وأسأله الجنة والنجاة من النار. اللهم إني أسألك يا غفور يا عفو عن المذنبين أن تغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين يا رب العالمين. ويقرأ فاتحة الكتاب ثلاث مرات ويقول بين كل قراءة شيء لله بعد البسملة الاستعاذة – يا سيدي وشيخي في الله. يا سلطان الأولياء يا سيدي أحمد يا بدوي مدد لله يا ساداتنا يا أشياخنا في القدوة، شيء لله يا رسول الله، شيء لله يا سيدي يا رسول الله شيء لله يا سيدي يا رسول الله. المقصود الله.
ثم بعد ذلك يضع المريد يده في يد الشيخ ويجعل إبهامه اليمني على إبهام الشيخ اليمني ثم يقول الشيخ للمريد: اسمع ما قال الله تعالى في العهد فإنه سبحانه وتعالى قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 10] ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح:18].
ثم يقول الشيخ: اسمع يا أخي هذا عهد الله بيني وبينك على الكتاب والسنة ونحن إخوان في الله تعالى وفي رقعة قطب الزمان أبي العباس السيد أحمد البدوي ت وقدوتنا شيخ الشيوخ أنس بن مالك ت خادم رسول الله ×. الناجي يأخذ بيد أخيه في يوم القيامة ونحن إن شاء الله تعالى من الآملين في رحمة الله سبحانه وتعالى.
وبعد هذا يقول الشيخ في سره اللهم خذ منه وتقبل منه وافتح عليه أبواب كل الخير كما فتحتها على أبنائك وأوليائك واجعلني وإياه من المقبولين الفائزين من أحبابك وأحباب حبيبك سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأهل بيته أجمعين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
ثم بعد ذلك يقول المريد ويدعو الله سبحانه وتعالى في سره والشيخ وجميع الإخوان يؤمنون على دعواته.. ويختم دعاءه بقوله جهرا- أما هو وإن كان يحفظه أو يقول الشيخ نفسه والحاضرون يؤمنون وهو هذا: (يا مولانا يا مجيب أجب من يرجوك لا يخيب توسلنا إليك بجاه سيدنا محمد الحبيب أن تقضي حوائجنا قريب هذا وقت الحاجات يا حاضرا لا يغيب). ثم يقول الشيخ: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ثم يقرأ الشيخ والحاضرون الفاتحة الشريفة ويهبون ثوابها لأهل العهود ثم الفاتحة إلى شيخنا في الدنيا والآخرة السيد أحمد البدوي ت. ثم الفاتحة إلى أرواح الأشياخ في الطريق عموما وأرواح أموات المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أجمعين.
وهذه مفاتيح أوراد سيدي أحمد البدوي رضي الله تعالى عنه لكل يوم من أيام الأسبوع كما أوصى ولده وخليفته سيدي عبد العال فقال له يا ولدي أوصيك بتقوى الله في السر والعلانية وعليك بملازمة السنة والجماعة في كل وقت.
وبعد السلام من كل فرض تقرأ آية الكرسي مرة وسبحان الله ثلاثة وثلاثين مرة والحمد لله كذلك والله أكبر كذلك أيضا ولا إله إلا الله محمد رسول اللمرة واحدة. والاستغفار مائة مرة والصلاة على النبي × مائة مرة وتذكر الله ثلثمائة مرة إن قدرت على تلاوة ذلك عقب كل فرض كان مفتاح كل خير
وإن لم تقدر فعقب الصبح والعشائين وإلا كل يوم مرة وهي المفاتيح، وكذلك مداومة قراءة الفاتحة الشريفة كل يوم مائة مرة على الدوام.. وإذا تأخرت عن التلاوة يوما تعيد ما فاتك كله وقت القضاء فإن الأوراد مطلوبة من المريد وكذا ملازمة صوم يوم الاثنين والخميس.. واعلم أن صلاة ركعتين في جوف الليل خير لك من صلاة ألف ركعة في النهار.
وأما ورد يوم الأحد: فتقول عقب المفاتيح السابقة: اللهم صلى على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم مائة مرة وخمسين مرة . ثم يقول الحمد لله والله أكبر من مائة إلا ما لا نهاية كل بثوابه.
يوم الاثنين: سبوح قدوس، من مائة إلى آخر جهدك.
يوم الثلاثاء: سبحان القادر المقتدر.
كذلك أيضا يوم الأربعاء: سبحان ذي الملك والملكوت.
كذلك يوم الخميس: سبحان الله وبحمده «ألف مرة» وهي بعتق رقبة كما ورد.
يوم الجمعة: الصيغة الأمية العدد السابق ثم سبحان ذي العز والجبروت من مائة إلى ألف.
يوم السبت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة فقط.
المرجع : الطرق الصوفية في مصر ، نشأتها ونظمها ، أ/د عامر النجار ، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب ، (ص 147 - 180) .
([2]) كتاب الشيخ أحمد حجاب: (العظة والاعتبار) آراء في حياة السيد البدوي الدنيوية وحياته البرزخية، ص113.
([4]) ذكر هذا السيوطي بالنص في مخطوطه (تأييد الحقبة العلمية وتشييد الطريقة الشاذلية)، دار الكتب ، تحت رقم 2014 تصوف، وقد ذكر ذلك الأستاذ الدكتور علي صافي، بهامش كتابه، ص146.
([16]) مخطوط النصيحة العلوية في بيان حسن طريقة السادة الأحمدية، المخطوط تأليف الشيخ علي الحلبي، موجود بمكتبة الأزهر نسخة في مجلد تحت رقم (1540) 12945 ورقة22.
([17]) اللثام هو ما كان على الفم من النقاب. والبدوي الذي ولد وشب في شمال أفريقيا أخذ هذه العادة عن الملثمين واحتفظ بها طوال حياته، وإن كان بعض أتباعه يحاول أن يفسر ذلك تفسيرا آخر.. يقول الشيخ أحمد حجاب في كتابه العظة والاعتبار ص88: «.. كان يحدق ببصره نحو السماء لا لنظر في النجوم ولكن ليطالع تجليات الحق ويتابع أنوار الذات. ومن كثرة هذه المطالبة انطبعت على محياه هذه الأنوار وتركت أثرا ظاهرا يقروءه كل واحد. فكان يستر وجهه باللثامين ليحجب عن الأعين آثار تلك الأنوار».
([22]) تلميذ سيدي أحمد البدوي الذي ظل يلازمه طوال حياته ثم أصبح خليفته بعد وفاته... وهو الذي نظم الطريقة البدوية.
([26]) كتاب السيد البدوي أو دولة الدراويش ص61 للأستاذ عبد اللطيف فهمي نقلها عن بحث للشيخ مصطفى عبد الرازق عن السيد البدوي.
([32]) ذكر هذا المقال الأستاذ عبد اللطيف فهمي في كتابه عن «السيد البدوي» ص45 نقلا عن مجلة السياسة الأسبوعية سنة 1927م.
([39]) اعتمدت اعتمادا كاملا في عرض آراء التستري حول الحقيقة المحمدية على كتاب «من التراث الصوفي: سهل بن عبد الله التستري» الجزء الأول للدكتور محمد كمال جعفر ص296 وما بعدها.