تعريف التصوف
تعددت الأقوال في تعريف التصوف، وجميعها تنصب في مفهومٍ واحدٍ، وتخرج من مشكاةٍ واحدةٍ، وما تعدد الأقوال في تعريفه إلا دلالة على جلالة قدره وعلو منزلته، وإلا لما تفنن العلماء في تعريفاته، فهو أكثر العلوم في معانيه، وسبب اختلافهم يعود إلى اختلاف رؤيتهم له، وأحوالهم فيه، فكلٌ وصف جهة معرفته به، وحال تذوقه له، وما مثلهم في في ذلك إلا كقوم اجتمعوا حول جبل شاهق عظيم، فأرادوا وصف هذا الجبل، فكل واحدٍ منهم سيصفه من جهته التي يرى ويلمس ويدرك، وقد ذكر الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء تعريفاً للتصوف في كل ترجمة من تراجم كتابه تقريباً، وقد احتوى كتابه أكثر من ألفي ترجمة، وأما القشيري فلقد ذكر في رسالته أكثر من خمسين تعريفاً من الصوفية المتقدمين، بل ذكر السراج في اللمعة أن تعريفاته تتجاوز مائة تعريف[1].
يقول الشيخ السهروردي: «وأقوال المشايخ في ماهية التصوف تزيد على ألف قول بل ذكروا أن الأقوال المأثورة في حد التصوف زهاء الألفين»[2].
ويقول الشيخ أحمد زروق: «وقد حُدَّ التصوف ورُسِمَ وفُسِّرَ بوجوه تبلغ نحو الألفين مرجعها كلها صدق التوجه إلى الله وإنما هي وجوه فيه»[3].
وسنذكر أهم وأشهر التعريفات المنقولة عن القوم رضي الله عنهم: يعرفه الإمام الجنيد فيقول: «التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني»، ويقول أيضاً: «التصوف: ذكرٌ مع اجتماع، ووجدٌ مع استماع، وعملٌ مع إتباع»[4].
ويقول الشيخ معروف الكرخي: «التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق» [5].
ويقول حجة الإسلام الإمام الغزالي: «التصوف: هو تجريد القلب لله تعالى واحتقار ما سواه» [6].
ويقول إمام الطريقة الشيخ عبد القادر الجيلاني: «التصوف : الصدق مع الحق، وحسن الخلق مع الخلق»[7].
ويقول محمد بن علي الكتاني: «التصوف: خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف» [8].
ويقول الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي: «التصوف: هو الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهراً وباطناً»[9].
وعرفه الإمام أبو الحسن الشاذلي فقال: «التصوف: تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية» [10].
ويقول الإمام الشبلي: «التصوف الجلوس مع الله بلا هم» [11].
ويقول الإمام الداراني: «التصوف أن تجري على الصوفي أعمال لا يعلمها إلا الحق وان يكون دائما مع الحق على حال لا يعلمها إلا هو» [12].
وعرفه عمرو بن عثمان المكي فقال: التصوف أن يكون العبد في كل وقت بما هو أولى به في الوقت» [13].
وعرفه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري فقال: «التصوف علم يعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق، وتعمير الظاهر والباطن، لنيل السعادة الأبدية» [14].
ويقول الشيخ أحمد بن زروق: «التصوف علم قصد لإصلاح القلوب وإفرادها لله تعالى عما سواه، والفقه لإصلاح العمل، وحفظ النظام وظهور الحكمة بالأحكام والأصول وعلم التوحيد لتحقيق المقدمات بالبراهين، وتحلية الإيمان بالإيقان، كالطب لحفظ الأبدان، وكالنحو لإصلاح اللسان» [15].
ويقول ابن عجيبة: «التصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل وتحليتها بأنواع الفضائل وأوله علم وأوسطه عمل وآخره موهبة» [16].
ويقول ابن خلدون في مقدمته: «العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا والزهد فيما يقبل علية الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة»[17].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب اللمع للطوسي ص 47.
(2) كتاب عوارف المعارف ص 81.
(3) قواعد التصوف القاعدة الثانية.
(4) الرسالة القشيرية (2/ 442).
(5) الرسالة القشيرية (2/ 441).
(6) كتاب حكايا الصوفية ص 25-26.
(7) كتاب الغنية لطالبي طريق الحق ص 606.
(8) الرسالة القشيرية (2/ 397).
(9) رسائل ابن عربي: 541
(10) كتاب نور التحقيق للشيخ حامد صغر ص 93.
(11) الرسالة القشيرية (2/ 442).
(12) كتاب المدخل إلى التصوف للمهدلي ص 79.
(13) كتاب المدخل إلى التصوف للمهدلي ص 71.
(14) هامش الرسالة القشيرية ص 7.
(15) كتاب قواعد التصوف قاعدة 13.
(16) كتاب معراج التشوف إلى حقائق التصوف ص 4.
(17) تاريخ ابن خلدون (1/ 611).