هل الجهر بالذكر بدعة؟
يجيب عليها : أ.د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق
التوسط في رفع الصوت في التسبيح وغيره مستحب عند عامة الفقهاء ؛ لقوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا)(1) ، وكان النبي صلي الله عليه وسلم يفعله.
فعن أبي قتادة رضي الله عنه: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هُوَ بِأَبي بَكْرٍرضي الله عنه، يُصَلّيُ يخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ، قَالَ: وَمَرْ بِعُمَر رضي الله عنه وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ، قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعًا عِنْدَ النبي صلي الله عليه وسلم قال: (يا أبا بكر مررتُ بك وأنت تصلي تخفِضُ مِنْ صَوْتِكَ)؟ فَقَالَ: قَدْ أَسْمِعْتُ منْ نَاجَيْتُ يَا رَسُول الله. قَالَ: (فَارْفَع قليلاً)، وقال لعمر: (مَرَرْتُ بِكَ وَأَنتَ تُصَلِّي رافعاً صوتك)؟ فقال: يا رسول الله، أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان، قال: (اخفض من صوتك شيئا)(2).
وذهب بعض السلف إلى أنه يستجب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقيب المكتوبة، واستدلوا بما روي من ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : (كُنتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سمعته)(3). ولأنه أكثر عملا وأبلغ في التدبر، ونفعه متعد لإيقاظ قلوب الغافلين.
وخير ما يقال في هذا المقام، ما قاله صاحب مراقي الفلاح في الجمع بين الأحاديث وأقوال العلماء الذين اختلفوا في المفاضلة بين الإسرار بالذكر والدعاء والجهر بهما؛ حيث قال: «أن ذلك يختلف بحسب الأشخاص، والأحوال، والأوقات، والأغراض، فمتى خاف الرياء أو تأذى به أحد كان الإسرار أفضل، ومتى فقد ما ذكر، كان الجهر أفضل».
وعلى هذا فإن الجهر بالذكر ليس ببدعة، ولا شيء فيه وقد يكون أجمع للقلب والتركيز إذا ما اجتنب المرء الرياء، والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الإسراء آية: (١١٠).
(۲) رواه أبو داود في سننه: ج ۲ ص ۳۷، وابن خزيمة في صحيح : ج ۲ ص ۱۸۹، والطبراني في الأوسط ج ۷ ص ۱۸۱، والحاكم في المستدرك: ج 1 ص ٤٥٤.
(۳) أخرجه البخاري في صحيحه : ج 1 ص ۲۸۸، ومسلم ج 1 ص 410.