ما أهمية حب آل بيت النبي صلي الله عليه وسلم وما هي حدود تلك المحبة. وما هو الفاصل بين حد المحبة والمغالاة المذمومة ؟
قال تعالى: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(1)، وصح عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قال في معنى هذه الآية: «لَمْ يَكُن بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ)(2)، فهذه توصية بقرابته يأمره الله أن يبلغها إلى الناس.
وقد أمرنا رسول الله ﷺ بحب آل بيته والتمسك بهم، ووصانا بهم - عليهم السلام أجمعين - في كثير من أحاديثه الشريفة، نذكر منها قوله صلي الله عليه وسلم: «أَمَّا بَعْدُ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتيَ رَسُولُ رَبِّ فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ، أَوَّهُمَا كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ)، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغْبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: (وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أَذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي) فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ : وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلْ عَلِي، وَآلُ عَقِيلِ، وَال جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ. قَالَ : كُلُّ هَؤُلاء حُرمَ الصَّدَقَة ؟ قَالَ : نَعَمْ(3) .
وقوله صلي الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ الله وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي)(4) .
فنحن نحب الله حبا كبيرا، وبحبنا لله أحببنا رسوله صلي الله عليه وسلم الذي كان نافذة الخير التي رحم الله العالمين بها، وبحبنا لرسوله صلي الله عليه وسلم أحببنا آل بيته الكرام الذين أوصى بهم صلي الله عليه وسلم وعظمت فضائلهم وزادت محاسنهم.
فموقع محبة أهل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في أعماق قلب كل مسلم، وهو مظهر حب رسول الله صلي الله عليه وسلم فبحبه أحببتهم، كما أن محبة النبي صلي الله عليه وسلم هي مظهر محبة الله، فبحب الله أحببت كل خير، فالكل في جهة واحدة وسائل توصل للمقصود والله يفهمنا مراده.
والمغالاة لا تكون في المحبة، وإنما تكون في الاعتقاد، فطالما أن المسلم سليم الاعتقاد، فلا حرج عليه في المحبة لرسول الله ﷺ وأهل بيته، فنحن نعتقد أنه لا إله إلا الله، وأن سيدنا محمدا هو رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأن الأنبياء معصومون، وغير الأنبياء من العترة الطاهرة والصحابة الكرام ليسوا بمعصومين وإنما هم محفوظون بحفظ الله للصالحين، ويجوز شرعا وقوعهم في الآثام والكبائر، ولكن يحفظهم الله بحفظه. فطالما أن المسلم سليم الاعتقاد في هذه النواحي فيحب أهل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم من كل قلبه، وهي درجات يرزقها الله لمن أحبه، فكلما زاد حب المسلم لأهل البيت ارتقى بهذا الحب في درجات الصالحين؛ لأن حب أهل البيت الكرام علامة على حب رسول الله صلي الله عليه وسلم، وحب رسول الله صلي الله عليه وسلم العلامة على حب الله عز وجل، والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الشورى، آية: [۲۳]
(۲) أخرجه البخاري في صحيحه : ج ٤ ص ۱۲۸۹
(۳) أخرجه أحمد في مسنده : ج ٤ ص ٣٦٦، ومسلم في صحيحه : ج ٤ ص ١٨٧٣.
(4) أخرجه أحمد في المسند: ج ٣ ص ٢٦ ، والترمذي في سننه : ج ٥ ص ٦٦٢.