مشهد الإمام زين العابدين
هذا المشهد فيما بين الجامع الطولوني ومدينة مصر القديمة عن شمال الذاهب من شارع السيدة زينب رضى الله عنها إلى فم الخليج تجاه القنطرة الموصلة إلى قصر العيني ، تسميه العامّة مشهد زين العابدين، وهو خطأ، وإنما هو مشهد رأس زيد بن علي المعروف بزين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهم أجمعين، ويعرف في القديم بمسجد محرس الخصيّ.
قال القضاعي : مسجد محرس الخصيّ بني على رأس زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حين أنفذه هشام بن عبد الملك إلى مصر، ونصب على المنبر بالجامع، فسرقه أهل مصر ودفنوه في هذا الموضع.
وقال الكندي في كتاب الأمراء : وقدم إلى مصر في سنة اثنتين وعشرين ومائة أبو الحكم بن أبي الأبيض القيسيّ خطيبا برأس زيد بن عليّ رضوان الله عليه، يوم الأحد لعشر خلون من جمادى الآخرة، واجتمع الناس إليه في المسجد.
وقال الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ في كتاب الجوهر المكنون في ذكر القبائل والبطون: وبنو زيد بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام الشهيد بالكوفة، ولم يبق له عليه السلام غير رأسه التي بالمشهد الذي بين الكومين بمصر بطريق جامع ابن طولون وبركة الفيل، يعرف بمسجد محرس الخصيّ، وهو مشهد صحيح لأنه طيف بها بمصر، ثم نصبت على المنبر بالجامع بمصر في سنة اثنتين وعشرين ومائة، فسرقت ودفنت في هذا الموضع إلى أن ظهرت، وبنى عليها مشهد.
وذكر ابن عبد الظاهر أن الأفضل بن أمير الجيوش لما بلغته حكاية رأس زيد أمر بكشف المسجد.
هو : زيد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وكنيته أبو الحسن الإمام، الذي تنسب إليه الزيدية إحدى طوائف الشيعة، سكن المدينة وروى عن أبيه عليّ بن الحسين الملقب زين العابدين.
وقيل لجعفر بن محمد الصادق عن الرافضة أنهم يتبرّؤن من عمك زيد. فقال: برىء الله ممن تبرّأ من عمي، كان والله أقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأوصلنا للرحم، والله ما ترك فينا لدنيا ولا لآخرة مثله.
وقال أبو إسحاق السبيعيّ: رأيت زيد بن عليّ فلم أر في أهله مثله، ولا أعلم منه، ولا أفضل، وكان أفصحهم لسانا، وأكثرهم زهدا وبيانا.
وقال الشعبيّ: والله ما ولد النساء أفضل من زيد بن عليّ، ولا أفقه ولا أشجع ولا أزهد.
وقال أبو حنيفة: شاهدت زيد بن عليّ كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمانه أفقه منه، ولا أعلم، ولا أسرع جوابا، ولا أبين قولا لقد كان منقطع القرين.
وقال الأعمش: ما كان في أهل زيد بن عليّ مثل زيد، ولا رأيت فيهم أفضل منه، ولا أفصح ولا أعلم ولا أشجع، ولقد وفي له من تابعه لإقامتهم على المنهج الواضح.
وقال عاصم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب: لقد أصيب عندكم رجل ما كان في زمانكم مثله، ولا أراه يكون بعده مثله، زيد بن عليّ، لقد رأيته وهو غلام حدث، وإنه ليسمع الشيء من ذكر الله فيغشى عليه حتى يقول القائل ما هو بعائد إلى الدنيا.
وكان نقش خاتم زيد، اصبر تؤجر اصدق تنج .
وقرأ مرّة قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } فقال: إنّ هذا لوعيد وتهديد من الله. ثم قال: اللهمّ لا تجعلنا ممن تولى عنك فاستبدلت به بدلا.
وقتل رحمه الله في خلافة هشام بن عبد الملك بالكوفة ، رمي بسهم في جبهته اليسرى، وظل يوسف بن عمر الثقفي رئيس جيش هشام يتتبع الجرحى في الدور حتى دل على زيد فأخرجه وقطع رأسه وبعث به إلى هشام ونصبه على باب دمشق ثم أرسله إلى المدينة وسار منها إلى مصر ، وأما الجسد فصلبه يوسف بن عمر ثم أمر هشام بن عبدالملك بإحراقه .
وقال جرير بن حازم : رأيت النبي ﷺ في المنام كأنه متساند إلى خشبة زيد بن علي، وهو يقول: هكذا تفعلون بولدي.
قتل رحمه الله لليلتين خلتا من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة، وعمره اثنتان وأربعون سنة.
وبعد قتل زيد انتقض ملك بني أمية وتلاشى إلى أن أزالهم الله تعالى ببني العباس.
وهذا المشهد باق في مصر يتبرّك الناس بزيارته ويقصدونه ، والعامّة تسميه زين العابدين، وهو وهم، وإنما زين العابدين أبوه وليس قبره بمصر بل قبره بالبقيع.