علم التصوف هو العامل الوحيد في تهذيب النفوس وتطهيرها من دنس الأخلاق الذميمة. فهو دائمًا يدعو إلىٰ التخلُّق بكل فضيلة. ويأمر بالتخلي عن كل رذيلة، غير أنه أصيب بشيئين شوّها منظره الرائع. دَعِيّ يتَّخذه شركًا يقتنص به ما سوَّلت له نفسه الخبيثة من لذلة زائلة، وشهوةحائلة. وغبيّ يرميه بنبال الاعتراض، ويعمد إلىٰ ما يقضي علىٰ دعائمه بالانقضاض. كاد هذان يقضيان عليه لولا أن اللّٰه قيَّض له أئمة نفوا عنه تحريف القالين، وانتحال المبطلين، وألَّفوا لنصره مؤلفات فيها الكثير الطيب والجيد والأجود. وأن من أجودها كتاب (تأييد الحقيقة العلية، وتشيي الطريقة الشاذلية)، فهو الكتاب الذي تتجلى فيه محاسن التصوف بكامل معانيها. تفاتحك طالعته بذكر الأئمة الذين عظَّموا شأن التصوف ورفعوا منار أهله. كالحافظ أبي نُعيم، والحافظ ابن الصلاح، وأبي طالب المكي، وأبي حامد الغزالي، والعز بن عبد السلام، والتقي السبكي، وابنه التاج وأضرابهم. مع ما يتخلل ذلك من بيان منشأ التصوف وسبب تسميته بهذا الاسم، وذكر سند القوم فيه مسلسلاً متصلاً بصاحب الشريعة صلوات اللّٰه عليه وعلىٰ آله. ثم يتخلص إلىٰ تناول عادات القوم، كالسماع والرقص، فيقرر دلائلها ويطعن في صدر من قدح فيها. هناك يختتم الكتاب بالجواب عن كلمات صدرت من بعض أكابر القوم، كالحلاج، وابن العربي، وابن سبعين، وابن الفارض أعوزت غيرهم ممن لم يذق ذوقهم، واعتاصت علىٰ أفكارهم. هذا إلىٰ حلاوة المعاني وحُسن التعبير، وإحكام المباني ونهاية التحرير.
وسيعلم القارئ إذا هو رأىٰ الكتاب أنِّي ما وصفته حقّ وصفه، فليعذرني، فماذا عسىٰ أن أقول فيكتاب حرَّره يراع ذاك الإمام، علامة الأنام، خاتم حفاظ الإسلام، مجدد القرن التاسع أبي الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين أبي بكر الخضيري السيوطي، المولود سنة 849هـ والمتوفّىٰ سنة 911هجرية، وشهرته العلمية تغني عن الإضافة في ترجمته.
لذلك أردت تعميم النفع به فقمت بنشره؛ خدمةً للصوفية خصوصًا، ولأهل العلم والدين عمومًا، وألقيت عهدة تصحيحه علىٰ حضرة صاحب السماحة والسيادة السيد عبداللّٰه ابن شيخنا مجدد العصر وعالم الدهر حجة اللّٰه البالغة، ومِنته السابغة، سيفه القاطع لأعناق المبتدعين والداعي إلىٰ سنة سيد المرسلين، محيي الطريقة بالحق والتحقيق سيدنا محمد ابن السيد الصديق الغماري الحسني الشاذلي رضي اللّٰه عنه. فقام بذلك علىٰ الوجه الذي يراه القارئ، وعانى فيه (لتصحيف الأصل المنقول عنه ووقع النقص فيه) أيّما عناء، فله مني جميل الثناء، ومن اللّٰه جزيل الجزاء.