التعريف به:
هو أحد سادات التابعين الكرام قال عنه أبو نعيم: «ومنهم القارئ الدري، والواعظ التقي، أبو بشر صالح بن بشير المري، صاحب قراءة وشجن، ومخافة وحزن، يُحرّك الأخبار، ويفرك الأشرار».
مناقبه ومروياته:
روي عن خالد بن خداش ثنا صالح المري، قال: يا عجبًا لقوم أمروا بالزاد، وأذنوا بالرحيل، وحبس أولهم على آخرهم، وهم يلعبون.
وروي عن الحسن بن حسان، قال: كنا يوما عند صالح المري وهو يتكلم ويعظ، فقال لرجل حدث بين يديه: اقرأ يا بني، فقرأ الرجل: ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْأَزفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَظِمِينَ مَا لِلظَّلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر: ۱۸]. فقطع عليه صالح القراءة، فقال: وكيف يكون للظالمين حميم أو شفيع، والطالب له رب العالمين؟ إنك والله لو رأيت الظالمين وأهل المعاصي يساقون في السلاسل والأغلال إلى الجحيم حفاة عراة مسودة وجوههم مزرقة عيونهم ذائبة أجسامهم ينادون: يا ويلاه، یا ثبوراه، ماذا نزل بنا؟ ماذا حل بنا؟ أين يذهب بنا؟ ماذا يُراد منا؟ والملائكة تسوقهم بمقامع النيران فمرة يجرون على وجوههم ويسحبون عليها متكئين، ومرة يقادون إليها عنتا مقرنين من بين باك دما بعد انقطاع الدموع، ومن بين صارخ طائر القلب مبهوت إنك والله لو رأيتهم على ذلك لرأيت منظرًا لا يقوم له بصرك، ولا يثبت له قلبك، ولا يستقر لفظاعة هوله على قرار قدمك ثم نحب وصاح يا سوء منظراه، ويا سوء منقلباه، وبكى وبكى الناس. فقام شاب به تأنيث، فقال: أكل هذا في القيامة يا أبا البشر؟ قال: نعم والله. يا ابن أخي، وما ذلك، لقد بلغني أنهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم، فلا يبقى منها إلا
أكبر من كهيئة الأنين من المدنف، فصاح الفتى : إنا لله واغفلتاه عن نفسي أيام الحياة، ويا أسفي على تفريطي في طاعتك يا سيداه، واأسفاه على تضييع عمري في دار الدنيا.
ثم بكى واستقبل القبلة، ثم قال: اللهم إني أستقبلك في يومي هذا بتوبة لك لا يخالطها رياء لغيرك، اللهم فاقبلني على ما كان مني، واعف عما تقدم من عملي، وأقلني عثرتي وارحمني ومن حضرني، وتفضل علينا بجودك أجمعين، يا أرحم الراحمين لك ألقيت معاقد الآثام من عنقي، وإليك أنبت جميع جوارحي صادقاً بذلك قلبي، فالويل لي إن أنت لم تقبلني، ثم غلب فسقط مغشيا عليه.
فحمل من بين القوم صريعًا يبكون عليه ويدعون له، وكان صالح كثيرًا ما يذكره في مجلسه، الله له ويقول: بأبي قتيل القرآن بأبي قتيل المواعظ والأحزان، فرآه رجل في منامه، فقال: ما صنعت؟ قال: عمتني بركة مجلس صالح، فدخلت في سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء.
وكنا في مجلس صالح المري، فأخذ في الدعاء، فمر رجل مخنث فوقف يسمع ووافق صالحا يقول: اللهم اغفر لأقسانا قلبا، وأجمدنا عينًا، وأحدثنا بالذنوب عهدًا، فسمع المخنث فمات، فرؤى في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي، قيل: بماذا؟ قال: بدعاء صالح المري، لم يكن في القوم أحد أحدث عهدًا بالمعصية مني، فوافقت دعوته الإجابة؛ فغفر لي.
وروي عن علي ابن عبد الله المديني، قال: قال عبد الرحمن بن مهدي جلست مع سفيان الثوري في مسجد صالح المري، فتكلم صالح، فرأيت سفيان الثوري يبكي، وقال: ليس هذا بقاص، هذا نذير قوم.
وروي عن خلف بن الوليد قال كان صالح المري إذا قص، قال: هات جونة المسك والترياق المجرب - يعني: القرآن - فلا يزال يقرأ ويدعو ويبكي حتى ينصرف.
وروي عن عفان بن مسلم، قال: كنا نأتي مجلس صالح المري نحضره وهو يقص، فكان إذا أخذ في قصصه كأنه رجل مذعور يذعرك أمره من حزنه وكثرة بكائه كأنه ثكلى، وكان شديد الخوف من الله كثير البكاء.
وروي عن عبد الله بن محمد، قال: سمعت صالحا المري يقول في كلامه ألم تركاً لغير عواقب فعلهم؟ أو لم تحرك الفكر على التنبيه المصيرهم؟ بلى والله لقد بان لك ذلك، ولكنك شبت علمك بالغفلة، وأنت أولى من غيرك بما صنعت من نفسك، قال: ثم بكى وبكى الناس.
وروي عن أحمد بن إسحاق الحضرمي، قال: سمعت صالحًا المري يقول: للبكاء دواع بالفكرة في الذنوب، فإن أجابت على ذلك القلوب وإلا نقلتها إلى الموقف وتلك الشدائد والأهوال، فإن أجابت وإلا فاعرض عليها التقلب بين أطباق النيران، قال: ثم بكى وغشي عليه، وتصايح الناس.
وروي عن بشر بن ميمون النجدي، قال: سمعت صالحًا المري يقول في كلامه وكيف تقر بالدنيا عين من عرفها ؟ قال : ثم يبكي ويقول: خلفة الماضين وبقية المتقدمين رحلوا أنفسكم عنها قبل الرحيل،
فكأن الأمر قريب نزل بكم.
الرئيسة