التعريف به:
هو أحد سادات التابعين الكرام قال عنه أبو نعيم: «ومنهم: المؤثر للأدوم والأعم، والآخذ بالإلزام والأقوم أبو عبد الرحمن حاتم الأصم توكل فسكن، وأيقن فركن. وقيل: إن التصوف التنقي من الشكوك، والتوقي في السلوك».
مناقبه ومروياته:
روي عن عمر بن الحسن الحلبي، ثنا محمد بن أبي عمران، قال: سمعت حاتما الأصم - وكان من جملة أصحاب شقيق البلخي - وسأله رجل؛ فقال: علام بنيت أمر هذا في التوكل؟ قال: على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، و علمت أني لا أخلو من عين الله حين كنت فأنا مستحي منه.
وروي عن أحمد بن عبد الله قال: قيل لحاتم غلام شقيق عَلَام بنيت علمك؟ قال: على أربع على فرض لا يؤديه غيري فأنا به مشغول وعلمت أن رزقي لا يجاوزني إلى غيرى فقد وثقت به، وعلمت أني لا أخلو من عين الله طرفة عين فأنا . منه مستحي، وعلمت أن لي أجلًا يبادرني فأبادره.
وروي عن الرياشي، قال: قيل للرشيد: إن حاتما الأصم قد اعتزل الناس في قبة له منذ ثلاثين سنة، لا يحتاج إلى الناس في شيء من أمور الدنيا، ولا يكلمهم إلا عند مسألة لا بد له من الجواب، لعله لبس به قد ورثته إياه الوحدة، وقيل: أنه عاقل؛ فقال: سأمتحنه، فندب له أربعة محمد بن الحسن والكسائي، وعمرو بن بحر، ورجلا آخر أحسبه الأصمعي.
فجاءوا حتى وقفوا تحت قبته، ونادى أحدهم يا حاتم يا حاتم. فلم يجبهم، حتى قيل: بحق معبودك إلا أجبتنا، فأخرج رأسه، وقال: يا أهل الحيرة، هذه يمين مؤمن لكافر وكافر لمؤمن، لم خصصتموني بالمعبود دونكم، ولكن الحق جرى على ألسنتكم؛ لأنكم اشتغلتم بعبادة الرشيد عن طاعة الله؛ فقال أحدهم: ما علمك بأنا خُدام الرشيد؟ قال: من لم يرض من الدنيا إلا بمثل حالكم لا يزل عن مطلبه إلى قصد من لا يخبره، ولا يد علي من الرشيد وأشباهه؛ فقال له عمرو بن بحر لم اعتزلت الناس وفيهم من تعلم، وفيهم من يقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال: صدقت، ولكن بينهم سلاطين الجور يفتنونا عن ديننا، فالتخلي منهم أَوْلَى، قال: فعلام وطنت نفسك في العزلة وثبت عليه أمرك؟ قال: علمت أن القليل من الرزق يكفيني فأقللت الحركة في طلبه، وأن فرضي لا يقبل إلا مني فأنا مشغول بأدائه، وأن أجلي لا بد يأتيني فأنا منتظر له، وأنا لا أغيب عن عين من خلقني فأستحي منه أن يراني وأنا مشغول بغير ما وجب له محمد، ثم رد باب القبة وحلف أن لا يكلمهم، فرجعوا إلى الرشيد وقد حكموا أنه أعقل أهل زمانه.
وروي عن رباح بن الهروي، قال: مر عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه؛ فقال: يا حاتم، تحسن تُصلي؟ قال: نعم، قال: كيف تُصلّي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأمشي بالخشية، وأدخل بالنية، وأكبر بالعظمة، وأقرأ بالترتيل والتفكر، وأركع بالخشوع، وأسجد بالتواضع وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بالسبل والسنة، وأسلمها بالإخلاص إلى الله عز وجل، وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أن لا يقبل مني، وأحفظه بالجهد إلى الموت، قال: تكلم؛ فأنت تحسن تُصلّي.
وروي عن عبد الله بن سهل الرازي، قال: سمعت حاتما الأصم يقول: من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله؛ أولها الثقة بالله، ثم التوكل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، والأشياء كلها تتم بالمعرفة.
وروي عن محمد بن عبد يقول: سمعت محمد بن الليث يقول: سمعت حامدا اللفاف يقول: سمعت حاتما الأصم يقول: تعاهد نفسك في ثلاث مواضع: إذا عملت فاذكر نظر الله تعالى عليك، وإذا تكلمت فانظر سمع الله منك ، وإذا سكت فانظر علم الله فيك.
وروي عن محمد بن الليث يقول : سمعت حامدًا يقول: سمعت حاتما يقول: من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب: من ادعى حب الله بغير ورع عن محارمه فهو كذاب، ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله فهو كذاب، ومن ادعى حب النبي O من غير حب الفقراء فهو كذاب.
وروي عن أبي تراب الزاهد، قال: جاء رجل إلى حاتم الأصم؛ فقال : يا أبا عبد الرحمن أي شيء رأس الزهد ووسط الزهد وآخر الزهد؟ فقال: رأس الزهد الثقة بالله، ووسطه الصبر، وآخره الإخلاص.
قال حاتم وأنا أدعو الناس إلى ثلاثة أشياء إلى المعرفة، وإلى الثقة، وإلى التوكل، فأما معرفة القضاء فأن تعلم أن القضاء عدل منه، فإذا علمت أن ذلك عدل منه فإنه لا ينبغي لك أن تشكو إلى الناس أو تهتم أو تسخط، ولكنه ينبغي لك أن ترضى وتصبر، وأما الثقة فالإياس من المخلوقين، وعلامة الإياس أن ترفع القضاء من المخلوقين، فإذا رفعت القضاء منهم استرحت منهم واستراحوا منك، وإذا لم ترفع القضاء منهم فإنه لا بد لك أن تتزين لهم وتتصنع لهم، فإذا فعلت ذلك فقد وقعت في أمر عظيم، وقد وقعوا في أمر عظيم وتصنع، فإذا وضعت عليهم الموت فقد رحمتهم وأيست منهم، وأما التوكل فطمأنية القلب بموعود الله تعالى، فإذا كنت مطمئنا بالموعود استغنيت غنى لا تفتقر أبدًا.
قال حاتم والزهد اسم، والزاهد الرجل، وللزهد ثلاث شرايع. أولها: الصبر بالمعرفة، والاستقامة على التوكل، والرضا بالعطاء، فأما تفسير الصبر بالمعرفة، فإذا أنزلت الشدة أن تعلم بقلبك أن الله عز وجل يراك على حالك، وتصبر وتحتسب وتعرف ثواب ذلك الصبر، ومعرفة ثواب الصبر أن تكون مستوطن النفس في ذلك الصبر، وتعلم أن لكل شيء وقتا.
والوقت على وجهين: إما أن يجيء الفرج وإما أن يجيء الموت، فإذا كان هذان الشيئان عندك فأنت حينئذ عارف صابر، وأما الاستقامة على التوكل فالتوكل إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، فإذا كان مقرًا مصدقًا أنه رازق لا شك فيه فإنه يستقيم.
والاستقامة على معنيين: أن تعلم أن شيئا لك وشيئاً لغيرك، وأن كل شيء لك لا يفوتك، والذي لغيرك لا تناله ولو احتلت بكل حيلة، فإذا كان مالك لا يفوتك، فينبغي لك أن تكون واثقا ساكنا، فإذا علمت أنك لا تنال ما لغيرك فينبغي لك أن لا تطمع فيه.
وعلامة صدق هذين الشيئين: أن تكون مشتغلا بالمعروض، وأما الرضا بالعطاء، فالعطاء ينزل على وجهين: عطاء تهوى أنت فيجب عليك الشكر والحمد، وأما العطاء الذي لا تهوى، فيجب عليك أن ترضى وتصبر.
وروي عن أبي تراب، قال: قال حاتم الأصم : الرياء على ثلاثة أوجه وجه الباطن، ووجهان الظاهر؛ فأما الظاهر فالإسراف والفساد، فإنه جوز لك أن تحكم أن هذا رياء لا شك فيه، فإنه لا يجوز في دين الله الإسراف والفساد، وأما الباطن فإذا رأيت الرجل يصوم ويتصدق فإنه لا يجوز لك أن تحكم عليه
بالرياء، فإنه لا يعلم ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، وقال حاتم: لا أدري أيهما أشد على الناس، إتقاء العجب أو الرياء؟ العجب داخل فيك، والرياء يدخل عليك العجب أشد عليك من الرياء، ومثلهما أن يكون معك في البيت كلب عقور ، وكلب آخر خارج البيت، فأيهما أشد عليك معك أو الخارج الداخل؟ فالداخل العجب والخارج الرياء.
وروي عن أبي بكر بن أبي عاصم، قال: سمعت أبا تراب الزاهد يقول: سمعت حاتما الأصم يقول : قال لي شقيق البلخي: اصحب الناس كما تصحب النار، خذ منفعتها واحذر أن تحرقك.
وروي عن أبي تراب، قال: قال حاتم الأصم: الحزن على وجهين: حزن لك وحزن عليك ؛ فأما الذي عليك فكل شيء فاتك من الدنيا فتحزن عليه فهذا عليك، وكل شيء فاتك من الآخرة وتحزن عليه فهو لك، تفسيره: إذا كان درهمان فسَقَطا منك وحزنت عليهما فهذا حزن للدنيا، وإذا خرجت منك زلة أو غيبة أو حسد أو شيء مما تحزن عليه وتندم فهو لك.
الرئيسة