حمدًا لله، وصلاةً وسلامًا على مصطفاه، ومن والاه، في مبدأ الأمر ومنتهاه، وبعد:
فأولًا
لمَّا كثرت لجاجة (خصوم أهل البيت) المُتَسَتِّرين باسم (السَّلفية) المظلومة حول حديث الثَّقَلَيْن؛ تجريدًا منهم لكل خصيصة لـ (أهل البيت)، أردت بسبق إرادة الله أن أجعل (مقدمة) هذه الطبعة الخامسة من هذا الكتاب الفريد، هي تحقيق حديث (الثقلين) وآية (المودة)؛ إلجامًا لتَخَرُّص هؤلاء النَّواصب، وقطعًا لألسنتهم وألسنة الحمقى ممن يتمثلون بهم؛ جهلًا من الجميع وسوء أدب مع الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
وحين نرى بعض الصالحين السَّابِقِين كبعض أئمة الأحناف رضى الله عنهم متحَرِّجًا من قراءة (سورة اللهب) في الصلاة؛ مبالغة في الأدب مع سيد خلق الله صلى الله عليه وسلم، يشتد عجبُنَا من هؤلاء الذين يُمْعِنُون في تجريد أهل بيته صلى الله عليه وسلم من كل خصيصة؛ غلًّا وخسةَ نفسٍ وحبًّا في المخالفة.
ولسوف يجد القارئ في هذا الكتاب منهجًا جديدًا، وتحقيقًا فريدًا -إن شاء الله تعالى- وحجة بالغة في كثير من جوانب البحث الخالص لوجه الله تعالى.
ولنبدأ بتوفيقه تعالى في الكلام العلمي عن الحديث:
ثانيًا:
(1) حديث الثقلين:
هناك حديثان صحيحان مشهوران كادا أن يتشابها، ولفهم النَّاس فيهما مواقف تختلف، لأسباب شتى:
أمَّا الأول: فعن عمرو بن عوف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ الله وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ» [رواه الإمام مالك في «الموطأ» (معضلا من بلاغاته)، ووصله ابن عبد البر في «التمهيد» و«الجامع»، ورواه الشجري في «الأمالي»، وقد ضعفه (الحافظ)].
ولفظ رواية (الحاكم) عن أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ الله وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ».[وسكت عنه الحاكم].
وفي لفظ رواية ابن عباس رضي الله عنهما، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ الله وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ» [رواه الحاكم أيضًا].
قال أبو المنذر في «الزهرة العطرة»: وعليه فلا يصح من هذه الأحاديث في الاعتصام بالسنة مع الكتاب حديث بنفسه ولا بغيره، وإن ذلك غريب كما ذكر الحاكم، فتأمل!!.
هذا بعض ما جاء في هذا الحديث.
أمَّا الثاني: فما ورد في الاعتصام بالكتاب وعترة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد من طرق شتى عن عدد من الصحابة، منهم:
1- زيد بن الأرقم رضى الله عنه.
2- زيد بن ثابت رضى الله عنه.
3- أبو سعيد الخدري رضى الله عنه.
4- علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
5- أبو ذر رضى الله عنه.
6- حذيفة بن أسيد رضى الله عنه.
7- جابر بن عبد الله رضى الله عنه.
8- وغيرهم.
ومن هذه النصوص والطرق الحديثية لحديث الثقلين:
(1)
عن زيد بن الأرقم رضى الله عنه حين خطب رسول الله بـ (ماء خم) بين مكة والمدينة، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ ثقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ الله فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ»، فحثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأخذ بالكتاب، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» وكررها ثلاثًا (هنا وفي أحاديث أخرى). [رواه مسلم وأحمد والبسويّ، وغيرهم].
(2)
وعن زيد بن الأرقم رضى الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ، وَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ»، ووصف الرسول صلى الله عليه وسلم الحوض، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِي الثَّقَلَيْنِ؟»، فقال رجل: يَا رَسُولَ الله ، وَمَا الثَّقَلانِ ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «الأَكْبَرُ -يعني الثقل الأكبر- كِتَابُ الله» ووصفه، «وَالأَصْغَرُ عِتْرَتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَسَأَلْتُ لَهُمَا ذَاكَ رَبِّي» [أخرجه الطَّبَرَانِي في «الكبير»، وذكره الهيثمي في «المجمع»، وقال: في «الصحيح» طرف منه].
(3)
وعن زيد بن الأرقم رضى الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ الله وعِتْرَتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا»، وفي رواية: «فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ». [رواه الشجري في «الأمالي»، ونحوه ابن أبي عاصم في «السنة»، والبسوي في «المعرفة» من طرق مختلفة، ورواه الترمذي أيضًا، ورواه الحاكم وصححه، وابن حِبَّانَ أيضًا]، كل أولئك مع اختلاف يسير جدًّا في بعض الألفاظ، مع زيادة يسيرة أو نقص، مع اتحاد المعنى، فحديث العترة بكل هذا صحيح ومشهور.
(4)
وعن زيد بن ثابت رضى الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ كِتَابَ الله عَزَّ وَجَلَّ وعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» [رواه البسوي، وعبد بن حُميد، ورواه الطَّبَرَانِي في «الكبير»، وأحمد، وابن أبي عاصم، مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ، واتحاد الأصل والمعنى تمامًا].
(5)
وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ كِتَابُ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا» [رواه أحمد في «المسند»، والترمذي في «سننه»، والطَّبَرَانِي في «الكبير»، وأبو يعلى في «المسند»، وابن أبي عاصم في «السنة»، وابن الجعد في «المسند»، والشجري في «الأمالي»، والبسوي في «المعرفة والتاريخ»، والدَّيْلَمِي في «الفردوس»، وذكره الهيثمي في «المجمع»].
(6)
وأخرجه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل في («مسنده» 3/17)، عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي كِتَابُ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتي وَإِنَّ اللطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا بِمَا تَخْلُفُونِي فِيهِمَا».
(7)
وأخرج القندوزي في («ينابيع المودة»، الباب الرابع، ص35، طبعة إسلامبول 1301هــ)، عن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، ثم أقبل بوجهه الكريم إلينا، فقال: «معاشر أصحابي، أوصيكم بتقوى اللهِ، والعمل بطاعته، وإنِّي أُدْعَى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن تمسكتم بهما لن تضلُّوا، وإنهما لن يفترقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض، فتعلموا منهم، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم».
(8)
وأورد أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي في («العقد الفريد» جـ2 ص46)، خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوداع، وفيها: «أيَّها الناس، إنما المؤمنون إخوة، فلا يحل لامرئٍ مال أخيه إلا عن طيب نفسه، ألا هل بلَّغْتُ، فلا ترجعوا بعدي كفَّارًا، يضرب بعضكم أعناق بعض؛ فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وأهل بيتي، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد».
ونكتفي بهذا القدر هنا، ومن أراد التفصيل والزيادة؛ فليرجع إلى كتاب «الزهرة العطرة» لحبيبنا وولدنا في الله الباحث المحقق السيد أبو المنذر رضى الله عنه، وإلى كتاب «ينابيع المودة».
وحسبنا أن نختم بحديث حذيفة بن أُسيد الغِفَاري رضى الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «وَإِنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَرِدُونَ عَلَيَّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا؟ فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِيَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُمَا لَنْ يَنْقَضِيَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» [رواه الطَّبَرَانِي، وأورده الهيثمي].
(2) بعض من أخرَج الحديث أيضًا، أو نقله:
أصل حديث العترة والثقلين في «صحيح مسلم»، وأكثر طرقه عند كل رواته صحيحة، وبهذا أخذ الحديث حكم (التواتر)؛ فقد ورد عن سبعة من الصحابة من نحو ثلاثين طريقًا، وحسبُنَا في صحة التواتر لفظ «الكتاب والعترة»، الذي هو القدر المشترك بين جميع الأحاديث؛ فيحصل التواتر العلمي المعروف عند أهل الحديث.
والحديث أخرجه القندوزي عن: زيد بن أرقم، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي ذر الغفاري، وأبي سعيد الخدري، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وجبير بن مطعم، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وعامر بن أبي ليلى، وأبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي هريرة، وأم هانئ بنت أبي طالب... وغيرهم.
وقال: وفي «الصواعق المحرقة» روى هذا الحديث ثلاثون صحابيًّا، وإن كثيرًا من طريقه صحيح وحسن [انظر: «الينابيع»، باب 4، ص28-41].
قال السَّمْهُودِي: وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة.
وأخرج الحديث -مع من ذكرنا- كثير من أئمة الحديث وحفاظه، كالحاكم في «المستدرك»، والخطيب في «تاريخ بغداد»، كما أورده المتقي الهندي في «منتخب كنز العمال» هامش «مسند أحمد»، وأخرجه الترمذي في «صحيحه»، كما في «شرح الشفا» لعلي القاري، وأخرجه محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري في «ذخائر العقبى»، والحافظ عبد العزيز بن الأخضر.
وأورده في «أُسْدِ الغابة» لابن الجَزْرِيِّ، و«تذكرة الخواص» لابن الجوزي، و«إنسان العيون» لنور الدين الحلبي الشافعي، و«السراج المنير» للعزيزي الشافعي في شرح «الجامع الصغير» للسيوطي، وفخر الدين الرازي في تفسير آية «الاعتصام»، والنظام النيسابوري في تفسير آية «الاعتصام»، والخازن في تفسير آية «الاعتصام»، وتفسير آية «المودة»، وابن كثير الدمشقي في تفسير آية «المودة»، وفي تفسير آية «التطهير»، وهو في «مصابيح السنة» للإمام البغوي الشافعي، و«الصواعق المحرقة» لابن حجر الهيتمي، وفي هذا كفاية لمن اهتدى، وليلهث الثرى كل موتور من متمسلفة هذه العصور.
(3) تعقيب وبيان:
قال ابن الأثير في «النهاية»: «سماهما الثقلين؛ لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير ونفيس: ثِقْلٌ، فسماهما ثقلين إعظامًا لقدرهما، وتفخيمًا لشأنهما»، وفي «شرح القاموس»: كل شيء نفيس مصون، يقال له: ثِقْل، [بكسر فسكون].
وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه: آية ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[الأحزاب:33] نزلت في خمسة: النبي صلى الله عليه وسلم، وعليَّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، عليهم الرضا والسلام.
والإجماع على أن نساءه صلى الله عليه وسلم من أهل البيت، كما ورد في عدة أحاديث، ونقل مُلا علي القاري: أن عترة الرجل هم أهل بيته ورهْطه الأدنين، والمراد: التمسك بحبهم، وحفظ حرمتهم، وقال ابن الملك: إنَّ المعنى محبتهم، والاهتداء بهديهم وسيرتهم. وقال الطيبي: إنَّ المراد بأهل البيت هنا: أهل العلم والفضل منهم (قلنا: وهذا هو المعقول طبعًا ووضعًا).
ولعلَّ من يدَّعون السلفية، ويرون أن الدين هو الزِرَايَةُ بأهل البيت أحياءً وأمواتًا، يتقون اللهَ الذي يقول على لسان نبيه: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾ [الشُّورى:23]، فلا يبالغون، ويتكلَّفون أن المراد بالقربى معنًى آخر غير قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، غفر الله لهم، ونفعنا الله ببركة نبيه وأهل بيته الأطهار الأبرار.
(4) منـزلة أهل البيت وحقوقهم:
قال العلامة المُنَاوِيُّ في جـ3 ص14 من «فيض القدير» في شرحه لحديث العترة المذكور:
(تنبيه) «قال الشريف الرضي: هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلًا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة، في كل زمن إلى قيام الساعة، حتى يتوجه الحديث المذكور إلى التمسك به كما أن الكتاب كذلك؛ فلذلك كانوا أمانًا لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض».
وقد اتفق أهل العلم على ما يأتي:
1- العترة وأهل البيت على الخصوص هم: (علي وفاطمة والحسن والحسين)، ثم ذرياتهم. أما على العموم، فهم هؤلاء ومعهم (آل عَقِيلٍ، وآل جعفر، وآل عباس) وذرياتهم.
2- عترة الرجل: نسله ورَهْطُهُ الأقربين، وفي حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول نَصُّه: «عِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي» {، فليلاحظ ذلك في حديث ابن عباس قبل حديث أبي سعيد؛ فهو الأدل هنا!.
وقد تواترت الأحاديث في فضل أهل البيت النبوي، ومن ذلك:
(1)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت آية: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾ [الشُّورى:23]؛ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ قَرَابَتُكَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنَاهُمَا» [رواه الطَّبَرَانِي].
(2)
عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «إنَّمَا مَثَلُ أهلِ بيتي فيكم، كمَثَلِ سفينة نوح، من رَكِبَهَا نَجَا، ومن تَخَلَّفَ عنها غرق، وإِنَّمَا مَثَلُ أَهْلِ بَيتِي فيكم مثل (بابِ حِطَّةَ) في بني إسرائيل، من دخله غُفِرَ لَه» [رواه الطَّبَرَانِي في «الصغير» و«الأوسط»].
(3)
عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت عليٍّ، فقال: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [رواه الطَّبَرَانِي في «الأوسط»].
(4)
عن عليٍّ رضى الله عنه أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بسط شملة، فجلس عليها هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ثم أخذ صلى الله عليه وسلم بمجامعه، فعقد عليهم، ثم قال: «اللهم ارضَ عنهم، كما أنا عليهم راضٍ» [رواه الطَّبَرَانِي في «الأوسط»].
(5)
عن صُبيح، قال: كنت بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء علي وفاطمة والحسن والحسين، فجلسوا وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنَّكم على خير»، وعليه كساء خيبري فجلَّلَهم به، وقال: «أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ» [رواه الطَّبَرَانِي في «الأوسط»، ورواه أحمد كذلك. وعن أبي هريرة نحوه مختصرًا].
(6)
وعن عليٍّ رضى الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة: «إِنِّني وَإِيَّاكِ وَهَذَيْنِ -أي الحسن والحسين- وَهَذَا النَّائِم الرَّاقِدَ -يعني عليًّا- فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ» [رواه أحمد والبزار والطَّبَرَانِي (بتفصيل السبب في أنْ قاله النبي صلى الله عليه وسلم)].
(7)
عن جابر رضى الله عنه، أنه سمع عمر بن الخطاب حين تزوج بنت الإمام علي رضى الله عنه، يقول: ألا تهنئوني! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «يَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ إِلا سَبَبِي ونَسَبِي» [رواه الطَّبَرَانِي في «الأوسط» و«الكبير»].
(8)
وعن عطاء، أن رجلًا أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمُّ إليه حَسَنًا وحُسَيْنًا، ويقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا».
وفي رواية ابن مسعود زيادة: «ومَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي» [رواه أحمد والبزار].
وفي كل ذلك كفاية، لمن وفقه الله إلى الهداية.
* * *
* ومع أشد الأسف:
في «منهاج السُّنَّة» الجزء الثالث، الصحيفة269 لابن تيمية: يندد باحترام المسلمين لأهل البيت، قوله غفر الله له: «إن فكرة تقديم آل الرسول صلى الله عليه وسلم هي من أثر الجاهلية في تقديم أهل بيت الرؤساء».
فما يقول في كل هذه الأدلة؟!.
وقد سبق لابن تيمية القول بعدم الاهتمام بزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله ما نصه: «ليس عن النبي في زيارة قبره، ولا قبر الخليل حديث ثابت أصلًا» («كتاب الزيارة» 12، 13).
ويقول: «الأحاديث الكثيرة المروية في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم كلها ضعيفة؛ بل موضوعة» («كتاب الزيارة»22، 28).
مع أنها رويت عن أكابر الثقات، وخرَّجها كبار الحفاظ والمحدِّثين، كالهيتمي في «المجمع»، والدَّارَقُطْنِي في «السنن»، وابن حجر في «المطالب»، ثم في «تلخيص الحبير»، والسيوطي في «الدر المنثور»، والزبيدي في «الإتحاف»، والمتقي الهندي في «كنـز العمال»، والطَّبَرَانِي في «الكبير»، والدولابي في «الكنى»، والْبَيْهَقِي في «السنن»، والعراقي في «المغني»، وابن عدي في «الكامل»، والسهمي في «التاريخ»، والمنذري في «الترغيب»، والتبريزي في «المشكاة»... وغيرهم.
فلا عجب أن ترى من أصحابه من يُكَفِّرُ بعض الصحابة، كما جاء في «الرسائل العلمية» لابن عبد الوهاب، كما يعتقدون أن المتبرك بالمسجد النبوي وطالب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم مشرك أشد من شرك الجاهلية وعبدة الأوثان، كما جاء في («رسائل ابن عبد الوهاب» ص79)، و(«فتح المجيد» 40، 41)، و«كشف الشبهات» له.
ومن المضحك المبكي: أن بعض أتباعهم يكسر رباعيته من فمه؛ ليتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كسرت رباعيته أثناء الحرب (في أُحد).
ومن المبكي المزعج في أيامنا هذه: تلك الفتن والدماء المهرقة، ومحاولة إبادة الإسلام في الجمهوريات الإسلامية المحرَّرَة من الاستعباد الشيوعي، كالبوسنة والهرسك، وطاجستان، وآذربيجان، والشيشان، إلى كوسوفو، وألبانيا، إلى بورما، والهند، وكشمير، إلى الفلبين، وسيلان، إلى الصومال، ونيجيريا، ووسط أفريقيا، إلى الأقلِّيَات الإسلامية في أوربا وأمريكا.
ومن الملاحظات الجديرة بالنظر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال في الحديث الثابت عن (نجد): «فيها يخرج قرن الشيطان»، فخرج منها (مسيلِمة)، وخرج (ذو الخويصرة)، وخرج منها (القرامطة)، ثم استمر خروج الوهابيين الذين يوقدون نار الفتنة الدينية في كل مكان، وما عمارتهم للحرمين الشريفين إلا للدعاية والتجارة والربح ليس إلا.
ومن حواشي تعاليمهم، وبسببها ظهرت العلمانية والانحلالية والإرهابية والتطرفية... إلخ، وبهذا انتقلت الحروب الصليبية إلى داخل حرم الوطن المحمدي والأمة الإسلامية، حيث فشت الفُرقة والاختلاف والوهن، وأصبح بأس الأمة وبخاصة العروبة بأسًا شديدًا مفزعًا.
ثالثًا:
نحن والكرامات، وهذا الكتاب:
نحن نشهد الله على أننا نؤمن بكرامات أولياء الله، ولنا في ذلك مخطوط سبق أن نشرنا بعضه ببعض المجلات المصرية، ونسأل الله أن ييسر لنا طباعته بفضله تعالى، فإذا كنَّا في كتابنا هذا لم نُوَفِّ جانب الكرامات حقه، فلأننا أردنا بهذا الكتاب أن يشمل واقع عصرنا في أهل البيت، على أسلوب زماننا: منهجًا وتقسِيمًا وتقديمًا، وقد اكتفينا بالكلام عن مشاهير أهل البيت من السابقين، بعد أن كتب كثير من الإخوة عن مشاهير الأولياء من أهل البيت اللاحقين، وبخاصة أختنا في الله المؤرِّخَة المؤمنة الدكتورة (سعاد ماهر) أثابها الله.
ولم نكتفِ هنا بالتحقيق، بل اهتممنا بتصحيح كثير جدًّا مما أخطأ فيه السادة المؤرخون قبلًا، وليس معنى هذا أننا ندعي العصمة، فيشهد الله أنَّنا خطاءون، ولا مانع أبدًا من أن يكون الأمر الذي ندَّعي أنَّه الصواب، هو عين الخطأ، فنستغفرُ الله ونتوب إليه. وقد امتاز ما نكتب بفضل الله بكثير جدًّا من المعلومات التاريخية، التي لم يُشِرْ إليها السابقون، ومما استجد في عصرنا؛ فكان كتابنا هذا جديدًا قديمًا، حاشدًا راشدًا، نافعًا يسدُّ جانبًا لا بد منه من شئون عصرنا، وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المفتقر إليه تعالى وحده
محمد زكي إبراهيم