أولًا:
كتبت هذا الموجز التاريخي تبصرة وتذكرة بذوات الأسماء المتماثلة من (أهل البيت)؛ وذلك استجابة لدافع شخصي باطني حازم، ثم للرغبة الموجَّهَةِ إليَّ ممن لا أستطيع مخالفتهم، من أبنائي وإخواني وساداتي في الله، وأنا على يقين مما سيقوله، ويتندر به عني أولئك الذين يتمسحون بـ (السلفية)، ويسموننا (القُبُورِيِّينَ)، أو يسموننا (المخرِّفين)، حين يترفقون بنا ولا يسموننا بـ (المشركين) أو (الوثنيين)!!.
ولكني -بحمد الله- أكتب عن سلامة عقيدة وصدق وتوحيد وإيمان بالغيب، وأعرف كيف أعامل اللهَ بما هو أهله، وكيف أكتب عن علم وبرهان أستريح إليه، وإني وإن لم أكن مؤرخًا، فقد اجتهدت ما استطعت (هذا أولًا).
أمَّا ثانيًا:
فلا شك أن في بعض ما قررته وجهًا آخر، فأحب أن يكون معروفًا أنَّه لم يَفُتْنِي غالبًا بحمد الله هذا الوجه الآخر، ولكنني سجَّلْتُ ما ترجح عندي بدليله، ولا أجبر أحدًا على الإيمان بمذهبي، فله رأيه، والعصمة لله، فلا ندَّعِيهَا لأنفسنا، وإنما نكتب هنا ما نحب أن نقابل الله عليه؛ فهو عندنا يقين علمي بتوفيق الله عَزَّ وَجَلَّ.
أمَّا ثالثًا:
فقد كان من بعض ما رجعت إليه في تحقيقاتي هذه: «خطط القُضَاعِيِّ»، و«المَقْرِيزِيِّ»، و«مُبَارَكٍ»، و«السَّخَاوِيِّ»، وكتابات المؤرخ المحقق الأخ حسن قاسم رحمه الله، وما جاء في «مشاهد القلعاوي»، و«كواكب ابن الزيات»، و«جمهرة ابن حزم»، و«بحر الأنساب» للأزورقاني، و«لمحة البهجة» للقادري، و«عمدة الطالب» لابن عنبة، و«التبر المسبوك»، و«النجوم الزاهرة»، و«وفيات الأعيان»، و«الأغاني»، و«الخطط والآثار»، و«حسن المحاضرة»، و«المشارق»، و«الإسعاف»، و«العدل الشاهد»، و«قلائد الجواهر»، و«مرشد الزوار»، وغيرها من كتب الرجال والطبقات والمزارات والوفيات، بداية من ابن إسحاق إلى المُنَاوِيِّ والشعراني، حتى الأصبهاني في «الأغاني».
أمَّا رابعًا:
فإنَّه ليس يلزم الزائر في الواقع -ونفس الأمر اليقين- أن يكون صاحب القبر هو شخص فلان بالذات، أو أخوه، أو ابن عمه... أو غيرهم، فإنَّ الزائر إنما يقوم بزيارة شخص مسلم، له على المسلمين حق الزيارة، فإن كان هو فكذلك، وإن كان غيره فالله يعامل الزائر بنيته، وبخاصة في مكان قد جرب الناس استجابة الدعاء فيه بالتواتر والتلاحق.
فالمسألة هُنَا أولًا وأخيرًا مسألة تجرِبة، والتجرِبة الواقعة لا تكذبها الهرطقة، ولا الفيهقة، ولا الشقشقة الكلامية، فإنَّما العلم العملي كله أساسه التجرِبة، والمجرب دائمًا محكوم بتجربته، ومعذور أمامها وملزم بها، وخصوصًا عندما يجد سندها قائمًا في دين الله.
أمَّا خامسًا:
فإنه إذا كان المزور ليس هو المقصود، أو كان يسمى في الواقع باسم آخر، غير ما هو مشهور به عند الناس؛ فقد أصبح ما سمَّاه به الناس عَلَمًا عليه، قد يراد به في الأرض، فيراد به في السماء على مقاصد الناس، وإنما الأعمال بالنيات.
وعلى هذا الحكم يحمل ما يسمونه: «مشاهد الرؤيا»، إذا صح وجودها وتسميتها، وإن كان لنا فيها رأي عملي آخر، فها نحن أولاء نقيم المساجد الحديثة بأسماء السلف الصالح من الرجال والنساء، وفي أماكن لا علاقة لها بحياتهم على الإطلاق، فإنما هي (مساجد الذكرى) من جانب، والتقدير والقدوة من جانب آخر، ولا حرج إطلاقًا علينا إذا زرنا هذه المساجد، ودعونا الله فيها توسُّلًا بأصحاب أسمائها، ودعونا الله تعالى لهم، ولعلَّ في هذا شرحًا لجانب من أسباب تسمية (مساجد الرؤيا)، التي سميناها: (المساجد التَّذْكَارِيَّة)، والله أعلم!.
أمَّا سادسًا:
فلو فرضنا أنَّه ليس لصاحب المشهد شفاعة؛ فإن زيارة الناس له وحسن الظن به، ودعاؤهم وابتهالهم عنده، هو نوع من شفاعتهم من أجله عند الله، ونوع من التعبد الذي تعم به البركات، وتستنزل الرحمات، ويطهر به المكان، ويتقدس به الإنسان.
فالنفع هنا شركة بين الميت والحي، وليس فيه محرم، ثم إن عالم البرزخ عالم انطلاق للصالحين، فلا يحصره حَدٌّ ولا قيد، ولا يهيمن عليه وقت ولا زمان ولا مسافة؛ فالحدود والقيود والأبعاد والأوقات والأقيسة -كلها أثر محدود، لما يرتبط به الإنسان الحي المحدود من أغلال المادة الجسمية المحدودة وآثارها، أمَّا الأرواح في البرزخ ففي عالم آخر.
راجع كتاب «الروح» لابن القيم، وما جاء عن «الأرواح» في بحوث القدامى والمحدَثين هو كثير وفير، وبخاصة تحقيقات علمَي: (الإسبرتزم)، و(تحضير الأرواح)، وراجع أيضًا كتابنا «حياة الأرواح بعد الموت»، وهو ملحق بهذا الكتاب.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه وأصحابه والتابعين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
وكتبه ابتغاء رضوان الله ونفع المسلمين، والتحقيق التاريخي الملزم المفتقر إليه تعالى وحده:
محمد زكي الدين بن إبراهيم الخليل بن علي الشاذلي
رائد العشيرة المحمدية، وشيخ الطريقة الشاذلية المحمدية
ومؤسس مجلة المسلم