(فصل) وقال الشيخ تاج الدين السبكي في كتابه: (معيد النعم ومبيد النقم): المثال السادس والستون: (الصوفية حياهم الله وبياهم، وجمعنا في الجنة نحن وإياهم، وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعبًا ناشئًا عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتشبهين بهم.
قال الشيخ أبو مجمد الجويني: لا يصح الوقف عليهم، لأنهم لا حد لهم معروف، والصحيح الصحة: أنهم المعرضون عن الدنيا، المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة.
ومن ثم قال الجنيد: التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني.
وقال الشبلي: التصوف ضبط حواسك ومراعاة أنفاسك.
وقال ذو النون المصري: الصوفي من إذا نطق أبان نطقه عن الحقائق، وإذا سكت نطقت عنه الجوارح.
وقال ابن بندار: التصوف إسقاط رؤية الخلق ظاهرًا وباطنًا.
وقال أبو علي الروزباري: الصوفي من لبس الصوف على الصفا، وأذاق الهوى طعم الجفا، ولزم طريق المصطفى، وكانت الدنيا منه على القفا.
وكان الشيخ الإمام يقول: الصوفي من لزم الصفا مع الحق، والخُلُقَ الحسن مع الخَلْق. وينشد:
تنازَعَ النَّاس فِي الصُّوفي واخْتَلَفُوا |
* | قدما وظنوه مشتقًا من الصوف |
ولست أنحل هذا الاسم غير فتىٰ |
* | صافىٰ فصوفي حتىٰ سُمي الصوفي |
وهذه عبارات متقاربة. والحاصل: أنهم أهل الله وخاصته، الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم، وعنا بهم.
وللقوم أوصاف وأخبار اشتملت عليها كتبهم. قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: جعل الله هذة الطائفة صفوة أوليائه، وفضَّلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه، ثم جعل قلوبهم معادن أسراره، واختصهم من بين الأمة بطوالع أنواره، فهم الغياث للخلق، والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق.
ومن أوصاف هذة الطائفة الرأفة والرحمة والعفو والصفح وعدم المؤاخذة، وضابطهم ما ذكرناه، وطريقتهم كما قال أبو القاسم الجنيد: (طريقنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة). وقال: (الطريق مسدود على خلق الله إلا على المقتفين آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-).