هل قول : طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم ؟ وهل قول : يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه ، حديث نبوي أيضا ؟ وإن كانا ثبتا عن النبي صلي الله عليه وسلم فما فائدتهما الاجتماعية؟
قول:(طُوبَى لَنْ شَغَلَهُ عَيْبَهُ عَنْ عُيوبِ النَّاسِ ) جزء من حديث مرفوع رواه الطبراني في [المعجم الكبير : ج ۵ ص ۷۱]، والبيهقي في[شعب الإيمان: ج ٧ ص ٣٥٥] والقضاعي في [مسند الشهاب: ج ١ ص ٣٥٨]، والديلمي الهمداني في [الفردوس بمأثور الخطاب ج ٢ ص ٤٤٧] وذكره الهيثمي في [مجمع الزوائد: ج ۱۰ ص ۲۲۹]، والحديث عن أنس بن مالك قال: خَطَبَنَا رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم له على ناقته العضباء وليست بالجدعاء فقال: (يَاتِهَا النَّاسُ كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ، وَكَأَنَّ الْحَقِّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ، وَكَأَنَّ مَنْ نُشَيْعُ مِنَ الموتى سُفَرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ، نُبَوئُهُمْ أَجْدَاثَهُمْ، وَتَأْكُلُ تَرَاثُهُمْ كَأَنَا مُخَلَّدُونَ عَدَهُمْ، قَدْ نَسِيتُم كُلَّ وَاعِظَة، وَأَمِنْتُمْ كُلَّ جَائِحَةِ، طُوبَى لَن شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَن
عَيْبٍ أَخِيهِ .....)
وقد عقب أبو بكر الهيثمي في مجمع الزوائد عليه قائلا: رواه الطبراني من طريق نصيح العبسي عن ركب ولم أعرفه ويقية رجاله ثقات.
وذكره العجلوني في [كشف الخفاء : ج ٢ ص ٥٩ ] وعلق عليه قائلاً: رواه الديلمي عن أنس مرفوعا. قال النجم وتمامه: (وأنفق الفضل من ماله ووسعته السنة ولم يعدل عنها إلى البدعة).وفي الباب عن الحسن بن علي وأبي هريرة قال في التمييز: وأخرجه البزار عن أنس مرفوعا بإسناد حسن.
وذكره الحافظ الذهبي في [سير أعلام النبلاء: ج ١٣ ص ٥٥٧] وعقب عليه قائلاً: هذا حديث واهي الإسناد؛ فالنضر قال أبو حاتم : مجهول. والوليد لا يعرف، ولا يصح هذا المتن إسناد.
ومما سبق تعلم أن علماء الحديث اختلفوا في نسبة ذلك الحديث إلى النبي صلي الله عليه وسلم ، فهناك من صححه، وهناك من ضعفه، وعلى القول بضعفه، فقد اتفقوا على أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال مع الضوابط المذكورة عند المحدثين في ذلك، ولا شك أن الحديث يحث على فضائل الأعمال والأخلاق، فهذا الحديث اتفق علماء المسلمين على صحة معناه لموافقته المكارم الأخلاق والزهد، واختلف المحدثون في نسبة هذا الكلام إلى النبي صلي الله عليه وسلم.
وأما قول النبي صلي الله عليه وسلم : (يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَاةَ فِي عَبْنِ أَخِيهِ وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِهِ)، فهذا حدیث رواه ابن حبان في [صحيحه: ج ۱۳ ص ۷۳]، والبيهقي في [شعب الإيمان: ج ۵ ص ۳۱۱]، والبخاري في موضعين [ الأدب المفرد، مرة بلفظ بنصر: ج ۱ ص ۲۰۷ ومرة بلفظ يرى : ج ١ ص ٣٠٥]، والمنذري في [ الترغيب والترهيبة: ج ٣ ص ١٦٧].
قال أبو نعيم الأصبهاني في [حلية الأولياء: ج 1 ص ٩٩] بعد أن ذكره: غريب من حدیث یزید، تفرد به محمد بن حمير عن جعفر، وصححه ابن حبان.
فالحديث اختلف فيه المحدثون بين الـ الصحة والضعف، وعلى أية حال فإن الضعيف يؤخذ به في فضائل الأعمال كما ذكرنا، ولا شك أن معناه صحيح وموافق الأصل الشريعة وفضائل الأخلاق، فمعناه متفق عليه بين الأمة كلها.
وفي الحديثين يضع النبي صلي الله عليه وسلم منهجا للإصلاح في المجتمع، ويضع دلائل لكل من يدعي الإصلاح في المجتمع ؛ ليتأكد أصادق هو في رغبته في الإصلاح ؟ أم أنه يريد أن يمارس نوعا من النفوذ والتأثير في الآخرين وهو لا يدري؟ فإذا انشغل بعيوب الناس وأهمل أمر نفسه، فلابد أن يراجع نفسه، ويعود إلى إصلاح نفسه، فإذا صلحت نفسه يبدأ بالأقرب فالأقرب، ومن خالف هذا المنهج القويم تصدق فيه تلك الأبيات المنسوبة للإمام الشافعي:
يأيها الرجل المعلم غيره **** هلا لنفسك كان ذاالتعــليم
تصف الدواء لذي السقام من الضنى **** كيما يصح به وأنتم سقيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله **** عارعليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفك فانهها عن غيها **** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدي **** بالقول منك وينفع التعليم
فكل ذلك يرسخ قيمة أولوية الإصلاح في المجتمع، فعلى الإنسان أن يبدأ بنفسه إن كان صادقا في رغبته في الإصلاح، فإن صلحت نفسه يصلح الأقرب فالأقرب حتى ينصلح المجتمع المسلم، رزقنا الله الصلاح والإصلاح في أنفسنا وأهلينا وذرياتنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والله تعالى أعلى وأعلم.