يجيب عليها : أ.د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق
ليس من المستحيل العقلي، ولا الشرعي أن يكون الخضر عليه السلام أو غيره من الخلق حيًا، ولا ينبغي للمسلم أن يبادر برفض كل ما لم يعتد عليه، ولم يكن في نطاق المعتاد، قبل أن يطلع على الشرع الشريف، ويرى هل هناك ما يثبت ذلك أو لا.
والله عز وجل يمد في عمر من يشاء، وقد يكون ذلك الإمداد؛ لإقامة الحجة كإنظاره إبليس عليه - لعنة الله - فهذه ليست كرامة له ولا تشريف له، أما غير إبليس من الصالحين كالخضر عليه السلام فقد يكون ذلك كرامة له أو حِكم أخرى لا نعرفها، وقد ذكر السلف الصالح مسألة الخضر، وأنه ما زال حيًا إلى زمنهم، وقد ذكر مسلم في صحيحه حديث الرجل الذي يقتله الدجال، وتعقيب أبي إسحاق عليه، حيث روى بسنده عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال حكاية عن الدجال : «... أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا. قال : فيقتله ثم يحييه. فيقول حين يحييه : والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن. قال : فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه» قال أبو إسحاق يقال إن هذا الرجل هو الخضر عليه السلام([1]).
وما رواه أنس رضي الله عنه عند وفاة النبي صلي الله عليه وسلم؛ حيث قال : «فدخل رجل أصهب اللحية جسيم صبيح، فتخطا رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال إن في الله عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا، وإليه فارغبوا، ونظرة إليكم في البلاء، فانظروا فإنما المصاب من لم يجبر. وانصرف. فقال بعضهم لبعض : تعرفون الرجل ؟ فقال أبو بكر وعلي : نعم هذا أخو رسول الله صلي الله عليه وسلم الخضر عليه السلام»([2])
وعن أنس رضي الله عنه كذلك قال : « عن أنس بن مالك قال : خرجت مع رسول صلي الله عليه وسلم في بعض الليالي أحمل له الطهور إذ سمع مناديا. فقال يا أنس : صه. فقال : اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني منه، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : لو قال أختها، فكأن الرجل لقن ما أراد رسول الله. فقال : وارزقني شوق الصادقين إلى ما شوقتهم إليه. فقال النبي صلي الله عليه وسلم : حيا يا أنس، ضع الطهور، وائت هذا المنادي، فقل له أن يدعو لرسول الله صلي الله عليه وسلم أن يعينه على ما ابتعثه به، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق. فأتيته فقلت : ادع لرسول الله صلي الله عليه وسلم أن يعينه الله على ما ابتعثه، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به بنيهم بالحق. فقال : ومن أرسلك ؟ فكرهت أن أعلمه ولم أستأذن رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت : وما عليك رحمك الله بما سألتك ؟ قال : أو لا تخبرني من أرسلك؟ فأتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت له ما قال. فقال : قل له أنا رسول رسول الله. فقال : لي مرحبا برسول الله ومرحبا برسوله، أنا كنت أحق أن آتيه أقرئ رسول الله صلي الله عليه وسلم - السلام - وقل له : الخضر يقرئك السلام، ويقول لك إن الله قد فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام. فلما وليت عنه سمعته يقول : اللهم اجعلني من هذه الأمة المرحومة المرشدة المتاب عليها»([3]).
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : «إن الخضر في البحر، واليسع في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، ويحجان، أو يجتمعان كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل» قلت : قد ذهب من الأصل مقدار ثلث سطر»([4]).
هذا بشأن ما ورد من آثار في تلك المسألة أما ما نُقل عن الفقهاء المعتمدين فهناك ما ذكره الإمام النووي - رحمه الله - رغم تضعيفه لقصة تعزية الخضر أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم يوم وفاته صلي الله عليه وسلم، ولكنه أكد على حياة الخضر حيث قال : « (وأما) قصة تعزية الخضر عليه السلام فرواها الشافعي في الأم بإسناد ضعيف، إلا أنه لم يقل الخضر عليه السلام, بل سمعوا قائلاً يقول : فذكر هذه التعزية, ولم يذكر الشافعي الخضر عليه السلام, وإنما ذكره أصحابنا وغيرهم, وفيه دليل منهم لاختيارهم ما هو المختار, وترجيح ما هو الصواب, وهو أن الخضر عليه السلام حي باق, وهذا قول أكثر العلماء »([5]).
وقد سُئل العلامة الرملي عن الخضر وإلياس عليهما السلام فقال : « أما السيد الخضر فالصحيح كما قاله جمهور العلماء أنه نبي لقوله تعالى:﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾([6]) ولقوله تعالى: ﴿ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ﴾([7]) أي الوحي والنبوة لا ولي, وإن خالف بعضهم، فقال : لم يكن الخضر نبيًا عند أكثر أهل العلم، والصحيح أيضا أنه حي، فقد قال ابن الصلاح: جمهور العلماء والصالحين على أنه حي، والعامة معهم في ذلك، وقال النووي : الأكثرون من العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه بين الصوفية وأهل الصلاح، وحكايتهم في رؤيته، والاجتماع به، والأخذ عنه، وسؤاله، وجوابه، ووجوده في المواضع الشريفة أكثر من أن تحصى. اهـ. والصحيح أيضًا أنه من البشر لا من الملائكة ومقر السيد الخضر والسيد إلياس أرض العرب »([8]).
ومما ذكر فنرى ما ذهب إليه أكثر علماء الأمة يعضده ما ذكر في الآثار التي أوردناها، وهو أن الخضر عليه السلام ما زال حيًا بين أظهرنا إلى يومنا هذا، وأنه كان بشرًا، وقد يلتقي ببعض الناس كرامة له، وكرامة لمن لقيه، ولكن لا ينبغي أن يفتح الباب للمدعين، وقد اختلف العلماء في نبوته، والصحيح أنه نبي كما ذكر العلامة الرملي ذلك، والله تعالى أعلى وأعلم.