يجيب عليها : أ.د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق
قضية «دفن رأس سيدنا الحسين رضي الله عنه بالقاهرة»، قضية تاريخية، وليست قضية شرعية، بمعنى أنه لا يجب على الناس أن يعتقدوا ذلك، فإنكار ذلك لا يترتب عليه كفر ولا إيمان، فمثلا من قال إن الأهرامات ليست في مصر، بل هي في أي دولة أخرى، هل يكفر باعتقاده هذا ؟ بالطبع لا، وإنما يكون جاهلاً للحقيقة.
يجمع المؤرخون وكتاب السيرة على أن جسد الحسين رضي الله عنه دفن مكانه في كربلاء، أما الرأس الشريف فقد طافوا به حتى استقر بـ «عسقلان» - الميناء الفلسطيني - على البحر المتوسط، قريبًا من مواني مصر وبيت المقدس.
وقد أيد وجود الرأس الشريف بـ «عسقلان»، ونقله منها إلى مصر جمهور كبير من المؤرخين والرواد منهم: ابن ميسر، والقلقشندي، وعلي بن أبي بكر الشهير بالسايح الهروي، وابن إياس، وسبط الجوزي والحافظ السخاوي.
يقول المؤرخ المقريزي : « نقلت رأس الحسين رضي الله عنه من عسقلان إلى القاهرة يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة (548 هـ) (الموافق 31 أغسطس سنة 1153)، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها، وحضر في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخر المذكور (الموافق 2 سبتمبر سنة 1153)... ويضيف قائلا : « فقدم به - الرأس - الأستاذ مكنون في عشاري من عشاريات الخدمة، وأنزل به إلى الكافوري (حديقة)، ثم حمل في السرداب إلى قصر الزمرد، ثم دفن في قبة الديلم بباب دهليز الخدمة» ... إلى أن قال : « وبنى طلائع مسجداً لها - يعني الرأس - خارج باب زويلة من جهة الدرب الأحمر، وهو المعروف بجامع الصالح طلائع، فغسلها في المسجد المذكور على ألواح من خشب، يقال إنها لا زالت موجودة بهذا المسجد ([1]).
وأما المتخصصون في الآثار فقد أكدوا ذلك، حيث قالت السيدة : عطيات الشطوي - وكانت المفتشة الأثرية والمشرفة المقيمة على تجديد القبة الشريفة منذ بضع سنوات - : تؤكد وثائق هيئة الآثار أن رأس الحسين رضي الله عنه نقل من عسقلان إلى القاهرة، كما يقول المقريزي في يوم الأحد الثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة (الموافق 31 أغسطس سنة 1153)، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها، وحضر في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة المذكور (الموافق 2 سبتمبر 1153م).
وعثر الباحثون بالمتحف البريطاني بلندن على نسخة خطية محفوظة من «تاريخ آمد» لابن الأورق المتوفى عام 572 هـ، وهي مكتوبة عام 560 هـ، ومسجلة بالمتحف المذكور تحت رقم (5803) شرقيات، وقد أثبت صاحب هذا التاريخ بالطريق اليقيني أن رأس الحسين رضي الله عنه قد نقل من عسقلان إلى مصر عام 549 - أي في عهد المؤرخ نفسه - بوجوده ومشاركته ضمن جمهور مصر العظيم في استقبال الرأس الشريف.
وقد ألف العلامة الشبراوي - شيخ الأزهر الأسبق - كتاباً أسماه «الإتحاف» أثبت فيه وجود الرأس بمقره المعروف بالقاهرة يقينًا، وذكر أن ممن أثبتوا ذلك هم : الإمام المحدث المنذري، الحافظ ابن دحية، الحافظ نجم الدين الغيطي، والإمام مجد الدين بن عثمان، والإمام محمد بن بشير، والقاضي محيي الدين بن عبد والظاهر، القاضي عبد الرحيم، وعبد الله الرفاعي المخزومي، وابن النحوي، والشيخ القرشي، والشيخ الشبلنجي، والشيخ حسن العدوي، والشيخ الشعراني، والشيخ المناوي، والشيخ الأجهوري، أبو المواهب التونسي وغيرهم.
وقد ألف فضيلة الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم رسالة في ذلك الموضوع أسماها : «رأس الإمام الحسين بمشهده بالقاهرة تحقيقًا مؤكدًا حاسمًا» وهي مليئة بالأدلة والبراهين التي يطمئن لها القلب.
ومن هذا العرض يطمئن القلب إلى ما ذهب إليه أغلب المؤرخين من كون رأس الإمام الحسين رضي الله عنه تشرف القاهرة المحروسة، والحمد لله رب العالمين، والله تعالى أعلى وأعلم.