يجيب عليها : أ.د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق
الكرامة : هي أمر خارق للعادة غير مقترن بدعوى النبوة، ولا هو مقدمة لها، يظهره الله جل جلاله على يد عبد ظاهر الصلاح، ملتزم بالشريعة، حريص على متابعة نبيه، مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصلح علم بها أو لم يعلم.
فوضع العلماء قيود حتى يغلق الباب على المدعين، وحتى لا تتسبب مسألة الكرامة في الخروج من الدين، فأغلقوا باب دعوى الكرامة؛ إذ اشترطوا أن يكون ملتزما بالشريعة متابعًا لنبيه والملتزم بالشريعة لا يدعي الكرامة، وأغلقوا باب الخروج من الدين حيث اشترطوا أنها غير مقترنة بدعوى النبوة.
والإيمان بكرامات الأولياء من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، قال الإمام الطحاوي: «نؤمن بما جاء من كرامات وصح عن الثقات من رواياتهم»([1]).
فإنكار كرامات الأولياء قد يخرج المسلم من الإسلام بالكلية، والإيمان بها من أصول عقيدة الإسلام، والفاعل للكرامات كالمعجزات إنما هو الله تعالى وحده لا شريك له، لكن أظهرها سبحانه وتعالى على أيدي أهل طاعته والامتثال بشرعه.
قال الإمام الجلال المحلي : « (وكرامات الأولياء) وهم العارفون بالله تعالى حسبما يمكن المواظبون على الطاعات، المجتنبون للمعاصي، المعرضون عن الانهماك في اللذات والشهوات، (حق) أي جائزة وواقعة كجريان النيل بكتاب عمر، ورؤيته وهو على المنبر بالمدينة جيشه بنهاوند، حتى قال لأمير الجيش : يا سارية، الجبل الجبل، محذرًا له من وراء الجبل لكون العدو هناك، وسماع سارية كلامه مع بعد المسافة، وكشرب خالد السم من غير تضرر به، وغير ذلك مما وقع للصحابة وغيرهم. (قال القشيري : ولا ينتهون إلى نحو ولد دون والد) وقلب جماد بهيمة. قال المصنف : وهذا حق يخصص قول غيره : ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي، لا فارق بينهما إلا التحدي، ومنع أكثر المعتزلة الخوارق من الأولياء، وكذلك الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، قال : كل ما جاز تقديره معجزة لنبي لا يجوز ظهور مثله كرامة لولي، وإنما مبالغ الكرامات إجابة دعوة، أو موافاة ماء في بادية من غير توقع المياه، أو نحو ذلك مما ينحط عن خرق العادات»([2]) .
يقول ابن تيمية : «فقد بين النبي صلي الله عليه وسلم أن القلب يكون فيه شعبة نفاق وشعبة إيمان، فإذا كان فيه شعبة نفاق، كان فيه شعبة من ولايته، وشعبة من عداوته، ولهذا يكون بعض هؤلاء يجري على يديه خوارق من جهة إيمانه بالله وتقواه، تكون من كرامات الأولياء»([3]).
قال ابن مفلح في معرض ذكره لحديث إنشاد الضالة ما نصه : « قوله : «من سمعتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليه» وقول ابن عمر رضي الله عنه للقائل في الجنازة استغفروا له : لا غفر الله لك. وقيل في قوله : لا هنيئا، إنما هو خبر أي لم يتهنوا به في وقته، وفيه إثبات كرامات الأولياء خلافا للمعتزلة »([4]).
بل ذكر العلماء أن من جملة هذه الكرامات الاطلاع على بعض الغيبيات، يقول العلامة ابن عابدين في تلك المسألة ما نصه : «قلت : بل ذكروا في كتب العقائد أن من جملة كرامات الأولياء الاطلاع على بعض المغيبات وردوا على المعتزلة المستدلين بهذه الآية([5]) على نفيها بأن المراد الإظهار بلا واسطة، والمراد من الرسول الملك أي لا يظهر على غيبه بلا واسطة إلا الملك، أما النبي والأولياء فيظهرهم عليه بواسطة الملك أو غيره، وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في رسالتنا المسماة [سل الحسام الهندي لنصرة سيدنا خالد النقشبندي] فراجعها فإن فيها فوائد نفيسة ، والله تعالى أعلم» ([6]).
وتلك الكرامات الثابتة للصالحين لا يوجد أي دليل على انتهائها بانتهاء حياة الولي في الحيـاة الدنيا، بل وجد الدليل على عكس ذلك فيما ثبت أن الله عصـم جسد عاصـم بن ثابت رضي الله عنه عنه بعد موته فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منا شيئًا» ([7]).وهي صريحة في كرامة الله له بعد موته.
قال العلامة البيجرمي : « وقع السؤال في الدرس عما لو قرأ الميت آية سجدة كرامة فهل يسجد السامع له أم لا؟ قال : ويمكن الجواب بأن الظاهر الأول؛ لأن كرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم، فلا مانع أن يقرأ الميت قراءة حسنة يلتذ بها، فحينئذ يشرع لسامعه السجود، وإن لم يكن الميت مكلفًا؛ إذ هي من المميز كذلك، فليس الميت كالساهي والجماد ونحوهما»([8]).
فالإيمان بكرامات الأولياء مما أجمعت عليه الأمة الإسلامية، واعتبره علماء العقيدة أصلاً من أصول الاعتقاد، وإنكارها قد يخرج المسلم من دينه، كما أن إثباتها للأولياء بعد انتقالهم يقره صريح المعقول، وصحيح المنقول، والموت يطرأ على الجسد لا الروح، فلا يجوز إنكار كرامات أولياء الله الصالحين لا في حياتهم، ولا بعد انتقالهم، والله تعالى أعلى وأعلم.
([5]) المقصود بالآية، قوله تعـالى في سورة الجـن " عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ " الآيتان 26، 27.