ما حكم ذكر الله بالأوراد والأحزاب المجمعة، والتزام المسلم بورد معين يذكر به ؟
يجيب عليها : أ.د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق
الورد أو الحزب هو مجموعة من الأذكار المأثورة أو غيرها يلتزمها الذاكر ويواظب عليها؛ رغبة منه في التقرب من الله، وهو تطوع يتطوع به المسلم لم يفرضه الله عليه، قال الشيخ زكريا الأنصاري رضي الله عنه: (وتطوع وهو: مالم يرد فيه نقل بخصوصه بل ينشئه الإنسان باختياره من الأوراد)(1).
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله محافظة الإنسان على أوراد له من الصلاة، أو القراءة، أو الذكر، أو الدعاء طرفي النهار وزلفا من الليل، وغير ذلك، فهذه سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم والصالحين من عباد الله قديما وحديثا، فما سن عمله على وجه الاجتماع كالمكتوبات، فعل كذلك، وما سن المداومة عليه على وجه الانفراد من الأوراد عمل كذلك، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يجتمعون أحيانا يأمرون أحدهم يقرأ والباقون يستمعون، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول يا أبا موسى، ذكرنا ربنا. فيقرأً وهُم يستمعون)(2).
وكان حديث العلماء عن الأوراد وكأنها أمر متفق عليه، فيذكرونها في أثناء كلامهم دون التنبيه على حكمها أو الاختلاف بشأنها، ومن ذلك قول ابن نجيم: (وذكر الحلواني أنه لا بأس بأن يقرأ بين الفريضة والسنة الأوراد)(3).
ولقد نبه العلماء على فائدة الالتزام بتلك الأوراد، وضرورة الحفاظ عليها، قال النووي: ينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقب صلاة، أو حالة من الأحوال، ففاتته، أن يتداركها ويأتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد عليها لم يعرضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها.
قال الشوكاني: وقد كان الصحابة رضي الله عنهم لا يقضون ما فاتهم من أذكارهم التي يفعلونها في أوقات مخصوصة. وقال ابن علان: المراد بالأحوال: الأحوال المتعلقة بالأوقات، لا المتعلقة بالأسباب كالذكر عند رؤية الهلال، وسماع الرعد، ونحو ذلك، فلا يندب تداركه عند فوات سببه، ومن ترك الأوراد، بعد اعتیادها يكره له ذلك(4).
قال ابن الحاج: (و ينبغي للمريد أن تكون أوقات مضبوطة لكل وقت منها عمل يخصه من الأوراد فلا يقتصر في الورد على ما سبق من الصلاة والصوم، بل كل أفعال المريد ورد.
قد كان السلف رضي الله عنهم يقولون جوابا لمن طلب الاجتماع بأحد من إخوانه ويكون نائما: هو في ورد النوم، فالنوم وما شاكله هو من جملة الأوراد التي يتقرب بها إلى ربه عز وجل، وإذا كان كذلك فيكون وقت النوم معلوما كما أن وقت ورده بالليل يكون معلوما وكذلك اجتماعه بإخوانه يكون معلوما. وكذلك الحديث مع أهله وخاصته يكون معلوما كل ذلك ورد من الأوراد؛ إذ إن أوقاته مستغرقة في طاعة ربه عز وجل فلا يأتي إلى شيء ما أبيح له فعله، أو ندب إليه إلا بنية التقرب إلى الله تعالى وهذا هو حقيقة الورد أعني التقرب إلى الله تعالى، وهذا على جادة الاجتهاد، والفراغ من الصحة والسلامة من العوائق، والعوارض، أو من حال يرد يكون سببا لترك شيء من ذلك)(5).
ولذا نرى أن الالتزام بالأوراد والأحزاب في ذكر الله تعالى، هو الوسيلة الوحيدة التي تعاون المسلم على المداومة على ذكر الله، وهي فعل السلف الصالح، ولذا فهي مستحبة فالوسائل لها حكم المقاصة، والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغرر البهية، لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري: ج1 ص ٣٨٧.
(2) الفتاوي الفقهية الكبرى، لابن حجر الهيتمي: ج2 ص 385.
(3) البحر الرائق، لابن نجيم: ج2 ص ٥٢.
(4) الموسوعة الفقهية الكويتية: ج ٢١، ص ۲۵٧، ۲5۸، حرف الذال، ذكر.
(5) المدخل، للعبدري ابن الحاج: ج 3 ص ۱7۹، ۱۸۰.