أبو محمد سهل بن عبد الله التستري (1)
أحد أئمة القوم ؛ ومَنْ لم يكن له في وقتِهِ نظير في المعاملات والورع ، وكان صاحب كرامات .
لقي ذا النون المصري بمكة سنة خروجه إلى الحج .
تُوفِّي رحمه الله - كما قيل - سنة ثلاث وثمانين ومئتين ، وقيل : ثلاث وسبعين .
وقالَ سَهْل : كنتُ ابنَ ثلاث سنين ، وكنتُ أقوم بالليل أنظر إلى صلاة خالي محمَّدِ بنِ سوَّارٍ ، وكان يقومُ بالليل ، فربَّما كان يقولُ : يَا سَهْلُ ؛ اذهَبْ فنم ، فقد شغلت قلبي .
سمعت محمد بن الحسين يقولُ : سمعت أبا الفتح يوسف بن عمر الزاهد يقول : سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ عبد الحميد يقولُ : سمعت عبيد الله بن لؤلؤ يقولُ : سمعت عمر بن واصل البصري يحكي عن سهل بنِ عبدِ اللهِ قَالَ : قَالَ لي خالي يوماً : ألا تذكر الله الذي خلقَكَ ؟ فقلتُ : كيف أذكرُهُ ؟ فقال : قل بقلبك عند تقلُّبِكَ في ثيابِكَ ثلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غيرِ أَنْ تَحرَكَ بِهِ لسانَكَ : اللَّهُ معي ، الله ناظر إليَّ ، الله شاهدي ، فقلتُ ذلك ليالي ثم أعلمتُه ، فقال : قل في كل ليلة سبعَ مرَّاتٍ ، فقلتُ ذلك ثمَّ أعلمتُهُ (۲) ، فقال : قُلْ في كل ليلةٍ إحدى عشرة مرَّةً ، فقلتُ ذلك ، فوقع في قلبي حلاوة .
فلما كان بعد سنةٍ .. قال لي خالي : احفظ ما علَّمتُكَ ، ودُمْ عليهِ إلى أنْ تدخل القبر ، فإنَّهُ ينفعُكَ في الدنيا والآخرة ، فلم أزل على ذلكَ سنينَ (3( ، فوجدتُ لها حلاوة في سري .
ثم قال لي خالي يوماً : يا سهلُ ؛ مَنْ كانَ اللهُ معَهُ وهو ناظر إليه وشاهدُهُ .. كيف يعصيه ؟! إِيَّاكَ والمعصية .
فكنتُ أخلو ، فبعثوني إلى الكُتَّابِ ، فقلتُ : إِنِّي لأخشى أنْ يتفرق عليَّ همي ، ولكن شارطوا المعلّم أني أذهب إليه ساعةً فأتعلَّمُ ثمَّ أرجعُ .
فمضَيتُ إلى الكتاب ، وحفظتُ القرآنَ وأنا ابنُ ست سنين أو سبع سنين ، وكنتُ أصوم الدهر وقوتي خبز الشعير اثنتي عشرة سنةً ، فوقعت لي مسألة وأنا ابنُ ثلاث عشرة سنةً ، فسألتُ أهلي أن يبعثوا بي إلى البصرة أسأل عنها ، فجئت البصرة وسألتُ علماءَها ، فلم يشف عنِّي أحد شيئاً .
فخرجتُ إلى عبَّادانَ إلى رجلٍ يُعرفُ بأبي حبيب حمزة بن عبد الله العباداني ، فسألته عنها ، فأجابني ، فأقمتُ عندَهُ مدَّةً أنتفعُ بكلامِهِ وأتأدَّبُ بآدابه .
ثم رجعت إلى تُسْتَرَ، فجعلتُ قوتي اقتصاراً على أن يُشترى لي بدرهم مِنَ الشعيرِ العَزْقِ (4) ، فيُطحن ويُخبز لي ، فأفطر عند السحر كل ليلة على أُوقية واحدة بحتاً بغير ملح ولا إدام (5) ، فكانَ يكفيني ذلك الدرهم سنة .
ثمَّ عزمت على أن أطوي ثلاثَ ليال ، ثمَّ أفطر ليلة ، ثمَّ خمساً ، ثمَّ سبعاً ، ثمَّ خمساً وعشرينَ ليلة ، وكنتُ عليهِ عشرينَ سنةٌ .
ثم خرجتُ أسيحُ في الأرضِ سنينَ (6) ، ثم رجعتُ إلى تُسْتَرَ ، وكنتُ أقومُ الليل كله (7) .
سمعت محمد بن الحسين يقولُ : سمعت أبا العباس البغدادي يقولُ : سمعتُ إبراهيم بن فراس يقولُ : سمعتُ نصر بن أحمد يقولُ : قال سهل بن عبد الله : ( كُلُّ فعل يفعله العبد بغيرِ اقتداء طاعةً كان أو معصية فهو عيش النفس ، وكلُّ فعل : يفعله بالاقتداء فهوَ عذابٌ على النفس( .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في هامش ( ي ) بخط العلامة محمد المبارك : ( وتُسْتَر تعريب شُشْتَر ) .
(2) في (أ) : ( فقلت ذلك سبع مرات ثم أعلمته ( .
(3) في (أ) : (سنتين ) بدل ( سنين (.
(4) العزق : المقشور ، كذا وقع في هامش ( ج ) تفسيره ، وفي كتب اللغة : المِعْزَقَة : المذراة يذرى بها الطعام ، والعزق : مذرو الحنطة ، وفي ( ح ): ( العزق الصحيح ) وتحتمل ( الفرق )، وهي كذلك في عامة النسخ ، والفرق – بسكون الراء وفتحها - : مكيال ، وهو ستة عشر رطلاً ، وقيل بالتفريق بين المحرك والساكن ، وقال الحافظ الزبيدي في ( إتحافه ) (7/٣٦٨) : ( ووجدت في بعض نسخ ( الرسالة ) : « من الشعير الغرق » بالغين ، صفة للشعير ؛ وهو الذي قد أصابه البلل من الأرض ، وهو رخيص الثمن ) .
(5) البحت : الشيء الخالص ، الصرف .
(6) في ( ج ) : ( سنتين ) بدل ( سنين . (
(7) طرف يسير من الخبر عند السراج في ( اللمع ) ( ص 269 ) .