(1)
الشريفان: الأنور، والأنور والزيود الثلاثة
أولًا: السيد حسن الأنور:
أشرنا فيما أسلفنا إلى أن السيد حسن الأنور والد السيدة نفيسة رضي الله عنها، هو ابن السيد زيد الأبلج بن السيد الحسن السبط بن الإمام علي، وابن الزهراء فاطمة النبوية بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو الذي يقول عنه المحدِّث الذهبي: «كان من أعيان العلويين وأشرافهم، وكان إمامًا عالمًا فقيهًا، معدودًا من التابعين».
وقد تَوَلَّى إمارة المدينة المنورة من قبل المنصور العباسي ثم تَرَكَهَا، وقد رحل إلى القاهرة وتوفي بها، ومسجده معروف مشهور قريبًا من (سور مجرى العيون) في مشارف مصر القديمة، مهمل من وزارة الأوقاف، رغم ما له من أوقاف.
ثانيًا: الزيود الثلاثة:
وقد دفن في مسجد السيد حسن الأنور، ولده السيد زيد الأصغر رضى الله عنه، أمَّا والد السيد حسن الأنور -أعني السيد زيد الأبلج- فقد دفن بالحاجر بين مكة والمدينة.
ثمَّ إن السيد زيد الأصغر والسيد زيد الأبلج، هما من غير الإمام الفقيه زيد بن علي زين العابدين، المدفون رأسه بالقاهرة قريبًا من السيدة زينب في المشهد المعروف باسم والده (علي زين العابدين).
ثالثًا: السيد محمد الأنور:
وكنَّا قد أشرنا أيضًا إلى أن السيد محمد الأصغر، الشهير بـ (الأنور)، هو ابن زيد الأصغر، دفن بمسجد أبيه الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن السبط بن علي وفاطمة رضي الله عنها، فـ (محمد الأنور) هو ابن شقيق السيدة نفيسة على أرجح الأقوال.
لكن بعض المؤرخين يَرَوْنَ أن محمد الأنور، هو شقيق حسن الأنور، فهو عم السيدة نفيسة، وليس ابن أخيها عندهم.
وهنا يرى بعضهم أنَّ محمدًا أخا السيدة نفيسة ومحمدًا عمها، كلاهما دفن في ضريح واحد، وعلى هذا يكون القولان صحيحان.
وهذا الضريح يقع في شارع (الخليفة) على يمين الذاهب لزيارة قبر السيدة رقية بنت علي الرضا، في مواجهة قبة شجرة الدر وجامع الخليفة، بعد مسجد السيدة سكينة بقليل.
(2)
الشريفان: يحيى ويحيى
أولًا: يحيى الشَّبِيهُ بالنبي صلى الله عليه وسلم:
هو: السيد يحيى بن القاسم الطيب بن محمد المأمون بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين؛ فهو شقيق (فاطمة العيناء) بنت القاسم السابق ذكرها في الفاطمات، وقد لقب بالشبيه بالنبي؛ لأنه كان يُشْبِهُ جده المصطفى صلى الله عليه وسلم صورة وسمتًا، وجلالًا ووقارًا وكرمًا وشجاعة.
وقد اشتهر بالعلم والبركة، فاستقدمه إلى مصر (أحمد بن طولون)؛ تطييبًا لقلوب المصريين؛ لما هو عليه من الخير، ولما هو معروف عن المصريين من صِدْقِ حُبِّ أهل البيت النبوي، وصفاء الولاء لهم، وقد كان يوم دخوله مصر ومن معه من الأشراف عيدًا من أكبر الأعياد.
ولَمَّا تُوُفِّيَ دفن بمشهده المعروف قريبًا من مسجد الإمام الليث بن سعد، وقد دفن معه أخوه عبد الله بن القاسم وطائفة من الأشراف.
ثانيًا: يحيى المتوَّج بالأنوار:
هو السيد يحيى، الملقَّب بـ (المتوج بالأنوار)؛ لما كان عليه من ميراث النور النبوي والمَهَابَةِ والبركة، وهو شقيق السيدة نفيسة، ومحمد الأصغر، ووالدُهم جميعًا السيد حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن الإمام علي رضى الله عنه.
وقبره أيضًا معروف قريبًا من مسجد الإمام الليث، وقريبًا أيضًا من قبر السيد يحيى ابن القاسم المشهور بـ (الشبيه بالمصطفى صلى الله عليه وسلم)، والقبران في حاجة شديدة للإصلاح والترميم والرعاية، ويخشى عليهما من الاندثار.
(3)
الشريفان الصوفيان
ومن خاصة أشراف القاهرة: الإمام الصوفي السَّلفي الشرعي المجاهد العارف بالله تعالى الشيخ محمود أبو عليان الشاذلي المحمَّدي([1])، الحسيني الأب، والحَسَنِيُّ الأم، وأصله من نجع الزوايدية أحد نجوع البصيلية بأدفو، ثم من بعده خليفته وصهره (زوج كريمته) الإمام العالم الزاهد الصوفي الداعية المجدد السيد إبراهيم الخليل بن علي الشاذلي المحمدي([2])، الحُسَينِيُّ الأب، البكري الأم، (وهو والد السيد الرائد مؤلِّف هذا الكتاب، كما أن السيد أبو عليان هو جده لأمه الزهراء فاطمة النبوية).
والسيد إبراهيم الخليل، هو مؤلف كتاب «المرجع في بيان المشروع والممنوع من تصوف المسلمين»، وكتب صوفية أخرى.
وقد كان كلاهما (الشيخ أبو عليان والسيد إبراهيم الخليل) مجدد عصره في التصوف الإسلامي الشرعي، وقد لقي كلاهما من العَنَتِ والأذى في سبيل تصحيح المسار الصوفي وتقويمه على أساس الكتاب والسنة، ما لم يلقه غيرهما، ونحن بالأثر وللهِ الحمد.
وكان كلاهما قطبَ عصره وغوث زمانه بحق، وتجد بعض سيرتهما مسجَّلة بكتاب «البيت المحمدي»، وضريحهما معًا بالمسجد المبارك المعروف بمسجد (مشايخ العشيرة)، ومعهما عدد من الأشراف والشريفات بشارع السلطان أحمد بقايتباي بالجمالية بالقاهرة، وفي هذا المسجد بَرَكَة محسوسة ومدد مشهود مجرب، ويقصده أصحاب الحاجات تَوَسُّلًا إلى الله، فيكرمهم الله سبحانه وتعالى.
وللشيخ أبي عليان عدة (خلوات) يحسبها الناس الآن مشاهد أو قبورًا له، منها خلوته بمدينة أسوان حيث أوصى الأديب الكبير السيد محمود عباس العقاد أن يدفن بجوار هذه الخلوة؛ تبركًا به كشيخ له، وأخرى بنجع البَيَاضِ، وأخرى بنجع الزوايدية، وأخرى بقرية الشيخ محمود على النيل، حيث كان يتخذ من هذه الخلوات مركزًا للدعوة إلى الله.
(4)
شارع الأكابر
وشارع السلطان أحمد بقَايَتْبَاي بالجمالية بالقاهرة، هذا الذي يقع به ضريح الشيخين الصوفيين الجليلين (الشيخ محمود أبو عليان، والسيد إبراهيم الخليل الشاذلي) شارع عجيب الشأن؛ فإن السائر فيه يجد على مشارفه المختلفة وجوانبه من (أضرحة كبار العلماء): ضريح الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر، والشيخ محمد الأنبابي شيخ الأزهر، والشيخ الأحمدي الظواهري شيخ الأزهر، والشيخ محمد عبده مجدد الأزهر، والشيخ حسونة النواوي شيخ الأزهر، والشيخ الأمير الكبير من أشهر سلف الأزهر.
كما يجد على جوانبه، من (أضرحة كبار الأولياء): ضريح الشيخ مصطفى البكري الخلوتي، والشيخ الحفني الخلوتي، والشيخ الحَدَّاد الخلوتي، والشيخ المرزوقي الشاذلي، والشيخ المعمر علي الوقَّاد الشاذلي، والشيخ أمين الكردي النقشبندي، والشيخ البابي الحلبي النقشبندي، وفي غربِيِّ مدفن الحلبي يقع مسجد الشيخ عبد الخالق الشبراوي الخلوتي.
كما يجد على جوانبه، من (أضرحة الزعماء): ضريح الزعيم الوطني الروحي السيد عمر مكرم، والزعيم الاقتصادي المصري طلعت حرب، ثم مدافن شهداء الجيش المصري في حروب فلسطين واليهود.
كما يقع في أواخره من جهة العباسية، من (الآثار العظيمة): مسجد الأمير إينال، والأمير كبير المملوكي، وفي شرقي الشارع مسجد السلطان فرج بن برقوق، ومسجد السلطان برسباي، من أفخم مباني الدولة المملوكية ومجمعاتها، مع عدد آخر من مباني المماليك والمشاهير.
ذلك بالإضافة إلى مسجد السلطان قايتباي الذي يعتبر مفخرة التحف الأثرية بمحتوياته وبملحقاته الضخمة، ويقع قريبًا من مسجد قايتباي ضريح شيخ الأزهر الباجوري، ثم إلى قريب منه ضريح الشيخ عبد الوهاب العفيفي، ثم قبر الشيخ عبد الله المَنُوفِيِّ، وقبر الشيخ الجَبَرْتِيِّ الكبير والد الجبرتي المؤرخ، ثم مدفن الخديوي توفيق بملحقاته وفخامته التي تناقصت كثيرًا بعد ثورة 23 يوليو، ونقل بعض تحفها إلى أماكن أخرى، وجَفَّتْ الحدائق، وامتنعت الخيرات، وأصبحت القبور في طريق الإهمال والاندثار، كما زال واندثر غيرها، وحُوِّل إلى مدافن للأعيان.
ولا شكَّ أن في بعض -أو كل- هؤلاء من هو قطعًا من أشراف أهل البيت وأعلامهم، الذين نرجو بإذن الله أن نعود إليهم رضي الله عنهم جميعًا، في الجزء الثاني من هذا الكتاب إن أراد الله.
(5)
الشريف معاذ بن داود الحسيني
هو السيد الصالح المُعْتَقَدِ: الشريف معاذ بن داود بن محمد بن عمر بن الإمام الحسين رضى الله عنه.
تُوُفِّيَ في ربيع الأول سنة مئتين وخمس وتسعين، ودفن بضريحه بالقاهرة، بالشارع المعروف باسمه في منطقة الدَّرَّاسَةِ المجاورة لمنطقة المشهد الحسيني، على شمال القاصد إلى شارع صلاح سالم وشارع المنصورية.
وقد جدَّد الفاطميون مسجده، ثمَّ اندثر أكثره، فجَدَّدَهُ السلطان قايتباي؛ نظرًا لشيوع ذكره بالبركة، ولكنه تهدم اليوم.
وقد حاولت العشيرة المحمدية ترميمه وإعادته إلى حالته الأولى، وأن تجعل من موقعه مركزًا إسلاميًّا ومَجْمَعًا ثقافيًّا وإنسانيًّا، كما حاول غيرُ واحد من أهل الصلاح ذلك، والمأمول أن يتم هذا التجديد يومًا ما -إن شاء الله- بعد زوال العَقَبَاتِ، وكان قد جَدَّدَهُ بعض الصالحين ودفن معه، ولكنه أهمِل بعد ذلك تمامًا، وهو في الطريق للضياع نهائيًّا، إن لم يتداركه الله بلطفه.
(6)
الشريف سعد الله بن الكامل
كان مشهودًا له بالخير والصلاح، وهو: سعد الله بن عبد الله الملقب بـ (المحض والكامل) بن حسن المثنى بن السيد حسن السبط بن الإمام علي؛ فهو أخو زينب المشهورة بـ (فاطمة النبوية) والمدفونة بالعبَّاسية، وهو أيضًا أخو السيد (إبراهيم الجواد)، الذي دفن رأسه بمسجد التبر بالمطرية بمصر، كما قدَّمنا من قبل.
أمَّا السيد سعد الله، فعاش بالقاهرة حتى توفي، فدفن بمشهده بالدرب الأحمر، في شارع معروف باسمه، خلف مسجد (أبي حريبة)، قريبًا من منطقة السيدة فاطمة النبوية بنت الحسين رضي الله عنها بالدرب الأحمر، على مدخل (درب الدليل) الموصل للأزهر الشريف رضى الله عنه، ويَتَعَهَّدُه الأهالي.
(7)
الشريفتان أم كلثوم وصفية
أولًا: الشريفة أم كلثوم بنت القاسم:
هي الصالحة الراجحة الشريفة أم كلثوم بنت القاسم الطيب بن محمد المأمون بن جعفر الصادق، وهي أخت السيد يحيى الشبيه بالنبي، وأخت فاطمة العيناء، وقد أسلفنا ذكرهما من قبل.
كانت أم كلثوم صَوَّامة قوَّامة، مستجابة الدعوة، أقامت بمصر وماتت بها، ودفنت بين مسجِدَي الشافعي والليث، قريبًا من مشهد أخيها يحيى ثم قبر أختها العيناء، رضي الله عنهم جميعًا، ومن المؤسِفِ إهمالُ قبورِ أهل البيت في هذه المنطقة وغيرها، حتى لا يكاد يعرفها الآن إلا القليلُ النادرُ، ويوشك أن تندثر كما اندثر الكثير من هذه المشاهد الكريمة، فلعل الله أن يُهَيِّئَ لها من أثرياء الأشراف، ومن كرام المسلمين من يحافظ على ما بقي مِنها حتى تحافظ مصر على خصيصتها بحب آل البيت، والحفاظ على آثارهم وتاريخهم.
ثانيًا: الشريفة صفية بنت إسماعيل:
هي الزاهدة العابدة المعتقدة، السيدة صفية بنت إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ابن القاسم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام علي رضى الله عنه.
كانت طاهرة الأنفاس، داعية إلى الله، زاهدة في زخرف الدنيا، رغم ما كانت عليه من الثَّرَاءِ، وكانت كريمة مِعْطَاءً، أقامت بمصر، وتوفيت ليلة الخميس تاسع المحرم سنة ثلاثمئة وثلاثٍ وثمانين، ودفنت بمنطقة الدرب الأحمر، ويوجد قريبًا من مشهدها مزار للشيخ الحموي أحد الصالحين.
ويقول بعض المؤرخين: إن المزار والمسجد الأثري المعروف باسم (الملكة الصفية) في هذه المنطقة هو للشريفة صفية بنت إسماعيل الحسنية رضي الله عنها، والله أعلم بالحقيقة.
(8)
السلطان الحسين أبو العلاء
هو العارف بالله: الحسين أبو علي بن الحسن الأكبر (هو السلطان حسن الأكبر الموجود مسجده في الشارع المعروف باسمه الآن في عابدين)، الملقب بالأنور بن السيد علي البدري، يصل نسبه إلى الإمام الحسين بن علي.
ولد رضى الله عنه بمكة المكرمة في أواخر القرن الثامن الهجري، ثم نزح من مكة إلى القاهرة، ونزل بساحل النيل بأرض فضاء مملوءة بالبِرَكِ والبوص، واتخذ خلوة، فجاء الناس من كل فَجٍّ وسكنوا بحواره، حتى أصبحت منطقة شديدة الزحام (بولاق أبو العلا الآن)، وأصبحت الخلوة زاوية فمسجدًا، وألحق بها قبة دفن بها الشيخ أبو العلا بعد وفاته.
لم يَسْلم السلطان من الحاقدين الذين اتهموه بالسحر، وحرضوا عليه الصبيان ليرموه بالحجارة، وحاكموا عددًا كبيرًا من تلاميذه، ولكنه صَمَدَ وبلغ درجة عالية من المعرفة، وأفاض الله عليه الكثير من أسراره.
وقد ذكر الشعراني في «الطبقات» أنَّه مكث في خلوته نحو أربعين سنة، كما عدَّ له كرامات كثيرة.
توفي سنة 890 هجرية، الموافق 1485م، بعد أن قضى حياة امتدت مئة وعشرين عامًا قطعها في طاعة ربه وعبادته.
ويقام مولده السنوي في شهر ربيع الثاني من كل عام.
ويذكر الأستاذ حسام عبد ربه في مقاله الرمضاني سنة 1416هـ بجريدة الأخبار: أنَّ مسجد السلطان قد شهد حوادث كثيرة عام 1922م، وتحديدًا في 13 يوليو، سقط جزء من الإيوان الشرقي أثناء الاحتفال بمولده، وراح ضحيته عدد من المصلين.
وفي عام 1979م تسلل لص بعد منتصف الليل وسرق صندوق النذور من المقام، وبه حَوَالَيْ 250 جنيهًا، وقتل اثنين من عُمَّال المسجد، وأثناء هروبه من الكورنيش صاح عليه الناس، فتسمرت قدماه في الأرض حتى قبض عليه وتم إعدامه.
والمسجد يقوم على 23 عمودًا من الرخام، والمنبر تحفة مصنوعة من خشب الساج الهندي المطعم بالسن، ومما يزيد من أهمية المنبر اشتماله على اسم صانعه، وهو (علي بن طنين).
وهناك روايات تقول: إنَّ المنبر قد تم تصنيعه في الهند، وجاء إلى مصر بحرًا من ميناء السُّوَيْسِ، وهو من مفاخر المنابر في عهد المماليك الجراكسة، وسقف المسجد مطلي بماء الذهب، وقبة السلطان «أبو العلا» من الخارج عَادِيَّةٌ، ولكنها من الداخل غير عادية، فقد نقشت لأنواع النقوش والزخارف.
ويضم ضريح السلطان أبو العلا خمسة من أجساد الصالحين، هم:
(1) الشيخ عبيد، أحد تلاميذ الشيخ المعاصرين له.
(2) الشيخ أحمد الكحكي الزاهد، أحد علماء التوحيد، توفي بعد السلطان بأكثر من خمسين عامًا.
(3) الشيخ مصطفى البولاقي.
(4) الشيخ رمضان البولاقي.
(5) الشيخ حكشة.
(9)
محمد بن الحسين (ساعي البحر)
هو السيد الشريف أبو عبد الله محمد بن الحسين بن حمزة بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين السبط، ويلقب بـ (ساعي البحر)، كما أطلق عليه (أبو الشفقة).
كان ورعًا تقيًّا، اشتهر بين الناس بالصلاح، ولتسميته بـ (ساعي البحر) قصة، هي: أن النيل توقف (انخفض منسوب مائه) في بعض السنين، وأصبحت مصر مهددة بالعطش والجوع، فكان لفرط شفقته وعطفه على الناس يسعى على شاطئ النيل ويبكي، ويدعو الله أن يفيض النهر على مِصْرَ بالماء؛ ولذلك أيضًا اشتهر بـ (أبي الشفقة).
ويذكر السَّخَاوِي في «تحفة الاحباب» أنَّه ظلَّ يسأل أهل العلم والتاريخ عن الكتاب الذي أرسله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى النيل إلى أن وجده، فرأى عمر في نومه يأمر بإلقائه في النيل، فألقاه فكانت أخصب سنة على أهل مصر، فلما توفي سنة 330هـ دفنوه قريبًا من البحر (يعني النيل كما هو شائع عند أهل مصر تسمية النيل بحرًا).
والآن يقع ضريح (ساعي البحر) في شارع اكتسب اسمه، أمام جزيرة الروضة مباشرة، على بعد عدة أمتار من شاطئ النيل.
ومسجد وضريح (ساعي البحر) كغيره من أضرحة ومشاهد ومساجد أهل البيت في زماننا هذا؛ فهو في حاجة إلى ترميم وإصلاح، خاصة بعد زلزال سنة 1992م، الذي أصاب مئذنة المسجد بتشققات كثيرة.
(10)
بدر الدين الحسيني
إلى جانب قبر ابن القاسم (في مقبرة المالكية) من جهة القبلة في الركن قبر السيد الشريف بدر الدين أبي محمد حسن بن محمد بن عبد الله الحسيني، الشهير بـ (العريان)، له كرامات وخوارق، وهذه التربة مشهورة به.
(11)
محمد بن هاشم
ومشهد السيد محمد بن هاشم بن محمد الباقر بن علي زين العابدين، قريب من مشهد السيدة آمنة ابنة موسى الكاظم، وقد سبق ذكرها.
(12)
الأشراف بني تميم والجعفري
كان رفات كبار الأشراف وخلفاء الدولة الفاطمية مدفونة بالمقابر الخليفية في موضع (خان الخليلي) المعروف بمنطقة الحسين حتى أراد (جركس الخليلي) بناء الخان، فنقل العظام من قبورها، وألقى بها تحت سور القاهرة في سفح المقطم؛ وقد جازاه الله فقتل شر قِتْلَةٍ، وقد قام بعض الناس بدفن هذه العظام هناك، وجعلوا لها قبرًا متواضعًا حتى أظهرته مصلحة الآثار في أول إنشائها، وكانت قد طغت عليه أتربة تلال البرقية بالدَّرَّاسَةِ غربي السور الأثري، فجعلت له المصلحة تكسية حجرته لصد الأتربة عنه بعد أن حفرت في هذه الأتربة على عمق عدة أمتار ليظهر القبر، وكان هذا أقل ما يجب لموتى خلفاء الدولة الفاطمية بما قدمت للإسلام.
وبقي الناس يزورون هذا القبر الذي اشتهر بينهم باسم (بني تميم)؛ نسبة إلى جد المعز لدين الله الفاطمي، حتى أزيلت التلال أخيرًا، وأنشئ شارع المنصورية بالدراسة فطُمِرَ المَزَارُ نهائيًّا، ويكاد يكون موقعه الآن بأرض الدَّرَّاسَةِ الجزء الشرقي من أول شارع المنصورية، مما يلي أرض بنك فيصل الإسلامي، المقام عليها الآن محطة بِنْزَين، على ناصية ما كان يسمى بـ (حديقة الخالدين)، ولهذا القبر ذكر في سجلات مصلحة الآثار، ونحن نسجل ذلك لوجه اللهِ والتاريخ.
وفي طرفي الشمال الغربي لحديقة الخالدين أنشئ مسجد ولي الله الشيخ صالح الجعفري الإدريسي، من علماء أهل البيت والصوفية الشرعيين المباركين، ومن كبار دعاة الطريقة الإدريسية، وأخيرًا اعترفت مشيخة الطرق الصوفية بالطريقة الجعفرية الإدريسية، وجعلت بداية المواكب المعتادة من مسجد الشيخ صالح بعد أن اعتذرت الحكومة عن بداية الموكب من مسجد السيدة أو الرِّفَاعِي أو غيرهما؛ منعًا للتزاحُم وصعوبة المرور في وسط العاصمة، ونسجل أنَّنَا كُنَّا ممن بذل أكبر الجهد لإقناع المشيخة باعتماد الطريقة الجعفرية؛ حسبة لله وخدمة للتصوف الشرعي، الذي كنا نعهده في الشيخ رحمه الله.
وهذا يذكرنا بكثير من الطرق الصوفية الجديدة، التي جاهدنا في سبيل الاعتراف الرسمي بها، ثم لم يعد يعرفنا اليوم من رجالها أحد.
(13)
أشراف منسيون
في منطقة السلطان برقوق، وفي الحي المحصور بين شرقِيِّ هذا المسجد، وغربِيِّ شارع الخاصة، وأوتوستراد القاهرة، يقع مسجد متواضع اشتهر اسمه باسم (مسجد أهل الله)، وهو من المساجد التابعة للعشيرة المحمدية، وبهذا المسجد مراقد عدد كبير من الأشراف المنسيين، والأولياء الصالحين، رجالًا ونساءً، ولأهل المنطقة وغيرهم فيهم عقيدة طيبة، وهم يتناقلون عنهم الكرامات المختلفة، ونرجو بإذن الله أن نعود إليهم بتفصيل موجز في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
كما نرجو أن نكتب بإذن الله عن قصة (المجمع الإسلامي الكبير)، الذي أنشأته العشيرة المحمدية بالمواجهة الغربية من (منشية ناصر) على شريط السكة الحديد الحربي، قريبًا جدًّا من مطالع ومنازل كوبري الأوتوستراد بالقاهرة، ففي هذه الكتابة تحقيقات وبيانات غاية في الأهمية، بما تقدمه العشيرة من مجهودات كبرى لخدمة هذه المناطق الشعبية المهملة.
(14)
مخزن رفات الأولياء بالقاهرة
كثيرًا ما وافقت الجهات المعنية على نقل رفات بعض أولياء الله من كبار الأشراف والعلماء والدعاة وغيرهم من مساجدهم ومشاهدهم لسبب أو لآخر، مما هو مقبول أو مرفوض عند الله وعند الناس.
وربما كان لأصحاب هذا الرفات أوقاف خاصة، أو كانت لهم أمجاد خالدة مما يطويه تلاحق الأيام والليالي، وتنساه الأجيال بالتقادم، أو بانعدام المعرفة.
وفي الموتى من قد حسن حظه وساء، كالأحياء سواءً بسواء.
وقد اختارَ المختصون بهذا الجانب قطعة أرض بين مساكن (الركيبة والسيوفية) بمنطقة الخليفة بالقاهرة كانت خرابًا يَبابًا، وحفروا بها قبرًا جعلوه مستودعًا لهذا الرُّفَات، بلا تمييز، ولا تعريف، ولا تكريم، ولا حقوق، حتى ندب بعض الأهالي من الفقراء نفسه لخدمة هذا المكان، ولكن بأسلوب شعبي متخم بالعيوب والمآخذ.
ونذكر أنَّ الجهات المَعْنِيَّةَ قديمًا عند زيارة السلطان عبد العزيز لمصر، حيث اضطروا لنقل بعض عظام (ترب المناصرة والعتبة، وكوم الشيخ سلامة)؛ لتخطيط شوارع مرور السلطان -قدروا حقوق الموتى وخافوا الله، فابتنوا لهم (مسجد العظام) القائم بشارع عبد العزيز الآن بالقاهرة، ونقلوا الرفات إليه مكرَّمًا.
وعند التوسعة القديمة لميدان أبي العباس المرسي رضى الله عنه بالإسكندرية، أنشئوا للرُّفات مجمعًا متواضعًا حفظوا به بعض الحقوق والواجبات، وإن كانت قد أدركته الفوضى والعَبَثُ في هذه الأيام، فأصبح مستودعًا لعظام عدد كبير من كرام المسلمين.
فهل من أهل الخير الذين يتبرعون بعشرات الألوف من الجنيهات لبعض الجهات، أن ينظروا نظرة إنصاف وتقدير إلى هذا المقلب، الذي تئول إليه عظام كل من ساء حظه من السلف، فقرروا هدم مشهده أو مسجده، وألقَوا به إلى هذا المخزن المُحْزِن، وقد أمرنا الإسلام أن نحترم الموتى، ونكرم عظامهم، وخصوصًا أنَّ لبعضهم أوقافًا كبرى ذات دخل عظيم.
وفي هذا المخزن -كما قلنا- عظام طائفة من كبار الأشراف وغيرهم، كان لهم ذكر كبير ومقام خطير رفع الله درجاتهم عنده، وجَازَى كل من أساء إليهم بما هو أهله.