روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: «اللهم إني أسألك لذة العيش بعد الموت، والنظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك».
وروي عن أبي الدرداء رضى الله عنه، أنه كان يقول: أُحِبُّ الموت اشتياقًا إلى ربي.
وروي عن حذيفةرضى الله عنه، أنه قال عند الموت: حبيب جاء على فاقة([1])!! لا أفلح من ندم.
وروي عن شهر بن حوشب رضى الله عنه، أنه قال: أخذت معاذ رضى الله عنه قرحة في حلقه، فقال: اخنق([2]) خنقك، فوعزتك إني أحبك.
وكان علي بن سهل المدائني -رحمه الله- يقوم إذا هدأت([3]) العيون، فينادي بصوت له محزون: يا من اشتغلت قلوب خلقه عنه بما يعقبهم عنه لقائه ندمًا، ويا من سهت قلوب عباده عن الاشتياق إليه؛ إذ كانت أياديه([4]) إليهم قبل معرفتهم به. ثم يبكي حتى تبكي لبكائه جيرته، ثم ينادي: ليت شعري سيدي إلى متى تحبسني([5])؟! ابعثني سيدي إلى حسن وعدك، وأنت العليم أن الشوق قد برح بي، وطال علي الانتظار، ثم يخر مغشيًّا عليه، فلا يزال كذلك حتى يحرك لصلاة الصبح.
وكان الحارث بن عمير رحمه الله، يقول إذا أصبح: أصبحت ونفسي وقلبي مصر على حبك سيدي، ومشتاق إلى لقائك! فعجِّل بذلك قبل أن يأتيني سواد الليل، فإذا أمسى قال مثل ذلك، فلم يزل على مثل هذا الحال ستين سنة.
فالمشتاق إلى الله تعالى، هو: المتبرم([6]) بالدنيا والبقاء فيها، وهو محب للموت وانقضاء المدة والأجل.
ومن علامته التوحش([7]) من الخلق، ولزوم العزلة والانفراد بالوحدة، ومن شأنه القلق والحنين والحزن والنحيب([8]) والكمد([9]) والغصة([10]) المنكسرة في الصدر بشدة الشغف([11]) والكلف([12]) والهذيان([13]) بذكر المحبوب، والارتياح إليه، والفكرة الصافية بهيجان الهمة([14])، وجولان([15]) الروح في الغيب؛ لطلب اللقاء والبهت([16])، والدهش والحيرة عند توهم الظفر بالأمل من المأمول، ونسيان حظه من الدنيا
والآخرة إلا رؤية من هو إليه مشتاق، نعم، ثم يعارضه الآن الخوف الذي هو الخوف ألَّا يصل إلى محبوبه، ويخاف أن يقطع به دونه، ويحال بينه وبينه، ويحجب([17]) عنه، ثم يخاف أن تحدث حادثة؛ إذ كان في دار البلوى، قد طالت عليه الأيام والليالي إلى أن يخرج من الدنيا سالمًا على الأمر الذي رضى مولاه.
فهذا بعض ما يمكن ذكره من صفات المشتاقين، وما بقي من نعتهم([18]) أكثر.
وبالله التوفيق.