الباب الحادي عشر : أحفاد طباطبا والسادات الوفائية
أولًا: مشهد أولاد وأحفاد طباطبا
في شارع عين الصيرة يقع حوش طباطبا الأثري، وفيه قد دفن أولاد وأحفاد طباطبا.
وطباطبا هو: أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغَمْرِ الشهيد المقتول بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
وقد نقل صاحب «درر الأصداف»، ما نصُّه: أنَّه لا خلاف عند علماء النسب في صحة هذا النسب.
ولُقِّب الجدُّ بـ (طباطبا)؛ لرُتَّةٍ كانت في لسانه [أي عُجْمة: وهي اللُّثْغَة والتردد في النطق]، وكان يبدل القاف طاء.
ويحكي الخطيب البغدادي في «تاريخه»، عند ترجمته لـ (طباطبا): أنَّه لما قدم بغداد في خلافة الرشيد سمع به، فبعث إليه، فظن أن أحدًا قد وشى به، فدخل على الرشيد، فقام له وأجلسه إلى جانبه وحادثه، فصار يظهر للرشيد من كلامه الخوف، فقال: ما بك يا أبا إسحاق؟ قال: روَّعني صاحب الطبا، يعني الذي دعاه، وكان عليه قبا، فبدل القاف طاءً، فلقب بذلك الوقت (طباطبا)، وقيل: بل طلب يومًا ثيابه، فقال الغلام: أجيء بدراعة؟ فقال: طبا طبا. يعني (قبا قبا).
وأبو إسحاق إبراهيم (طباطبا)، لم يمُت بمصر ولا يعرف له بها وفاة، وأمَّا من دفن بهذا المشهد فهم من ذريته وذرية أخيه، وأول من جاء مصر من أبناء طباطبا لصلبه: القاسم الرَّسِّيُّ [نسبة إلى قرية من قرى المدينة كان يسكن بها]، ولمَّا وصل إلى مصر جلس بالجامع العتيق، واجتمع الناس لسماع الحديث منه، فحدَّث، وجمعوا له مالًا، فأبى أن يقبله؛ فازداد أهل مصر فيه محبة، وكانت له دعوة مستجابة.
قال العُبَيْدَلِيُّ: كان القاسم أبيضَ مقرون الحاجبين، كثير الخضوع -أي لله- لا يتكلم إلا بالقرآن والحديث، وكان أكثر أهل زمانه علمًا، قيل: إنَّه عاد إلى الحجاز، ومات بالرَّسِّ سنة (220هـ).
من دفن من أولاد طباطبا بالمشهد:
1- عليٌّ بن الحسن بن طباطبا:
كان له مكانة وجلالة، بلغ ماله بعد موته ثلاثةَ قناطير من الذهب ونصفًا، وسبعة قناطير من الفضة، ومئة عبد ومئة أمة، وكان قد أوصى بثلث ماله صدقة، وقيل: نصف ماله، تُوُفِّيَ سنة (255هـ).
2- أحمد بن علي بن حسن بن طباطبا:
كان جليل القدر، وله كلام رائق، قيل: إنه تصدق بجميع مال أبيه -المتقدم ذكره- حتى كان لا يجد ما ينفق، فلما بلغ أحمد بن طولون ذلك أعطاه قرية بمصر، فكان يحمِل إليه خراجها.
وكان من شأنه أن يشفع في الناس، ويمشي في حوائجهم، حتى قال ابن زُولَاقٍ: لم يكن بمصر فيمن نزل من الأشراف أكثر شفقة ورأفة وسعيًا في حوائج الناس منه.
3- أبو القاسم أحمد بن محمد بن إسماعيل بن طباطبا:
كان نقيب الطالبِيِّينَ بمصر، وكان من أكابر رؤسائها، وله شعر مليح في الزهد وغيره، ومن شعره:
لقد غَرَّت الدنيا أناسًا فأصبحوا |
* | سكارى بلا عقل وما شربوا خمرَا |
وقد خدعتهم من زخارفها بِمَا |
* | غدوا منه في كرب وقد كابدوا ضرَّا |
4- عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن طباطبا:
قال ابن خَلِّكَانَ: المصري المَولِد والدار والوفاة والملحة، وهو المعروف بـ«صاحب السيادة»، كان صاحب رباع وضياع، وله نعمة ظاهرة وعبيد وحاشية، وكان مع هذا من الصالحين، يقوم الليل ويصوم النهار، كثير الصدقة والضحايا.
5- أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن طباطبا:
يعرف بـ (صاحب الحورية)؛ وذلك أنه رأى في المنام حورية، فسألها: لمن أنت؟ فقالت: لمن يعطي ثمني. فقال: وما ثمنك؟ قالت: مئة ختمة. فقرأها، وفرغ منها؛ فرآها في المنام، فقال لها: قد فعلت ما أمرتني به، فقالت له: يا شريف، إنك ليلة غدٍ عندنا. فأصبح وجهَّز نفسه، وأعلمهم بموته، فمات من يومه رضى الله عنه.
6- أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن طباطبا:
هو: ولد (صاحب الحورية)، وكان من الزُّهاد العُبَّاد.
قال رضى الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام... وحدَّثَه، توفي سنة (352هـ)، وقيل: (354هـ)، ومعه في قبره والدته ووالده، المذكور آنفًا.
7- أبو القاسم يحيى بن علي بن محمد بن جعفر بن علي بن الإمام الحسين ابن الإمام علي:
وكان يحيى من كبار العلويين، انتهت إليه الرئاسة في زمنه.
ومن أولاد (طباطبا) بهذا المشهد غير من ذكرنا:
8- الحسن بن محمد بن أحمد بن القاسم الرَّسِّيُّ بن طباطبا:
وهو من أحفاد القاسم الرَّسِّيِّ بن طباطبا، وهو أول من أتى مصر من أولاد طباطبا، ولكنه مات ودفن بالرَّسِّ [قرية من قرى المدينة].
9- علي بن الحسن بن طباطبا:
توفي رحمه الله في سنة (348هـ).
10- الحسن بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن طباطبا.
11- بغا الكبير أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أحمد بن علي بن الحسن بن طباطبا.
12- بغا الصغير أحمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن علي بن الحسن ابن طباطبا.
13- أخو عبد الله بن طباطبا: صغير، توفي قبل وفاة أخيه في جمادى الأولى سنة (333هـ)، وقبره تحت رجلي أخيه.
14- الأزرق الكبير: الحسن بن علي بن أحمد بن علي بن الحسن بن محمد ابن طباطبا.
15- ولده علي بن الحسن (الأزرق الكبير).
16- وولده أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن (الأزرق الكبير).
17- الأزرق الصغير: محمد بن عبد الله بن أحمد بن علي بن الحسن بن طباطبا.
18- محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن طباطبا.
19- ولده الحسين بن محمد.
من دفن بمشهد (طباطبا) من إناثهم:
20- السيدة خديجة ابنة محمد بن إسماعيل بن القاسم الرَّسِّيِّ بن إبراهيم طباطبا:
وكانت صالحة زاهدة عابدة، زوجها عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن طباطبا [سبقت الترجمة له برقم 4]، وقبرها ترياق مجرب، توفيت رضي الله عنها سنة (320هـ).
21- السيدة نفيسة ابنة علي بن الحسن بن إبراهيم.
22- السيدة آمنة ابنة الحسن الأزرق ابن علي بن أحمد بن علي بن الحسن ابن طباطبا، وهي أخت علي بن الحسن الأزرق.
23- السيدة نفيسة ابنة علي بن الحسن الأزرق.
من دفن بمشهد (طباطبا) من العلماء والصالحين:
24- العبد الصالح فرج:
بجانب قبر صاحب الحورية قبر العبد الصالح فرج، وكان عبدًا لهم، توفي قبل وفاتهم، وكان إذا اشتد عليهم الأمر في شيء، قالوا: «اللهم ببركة فرجٍ فرِّج عَنَّا» فيفرج الله عنهم ببركته.
25- ابن زُولَاقٍ العالم المؤرخ:
أبو محمد الحسن بن إبراهيم الليثي المصري المعروف بـ (ابن زُولَاقٍ)، كان فاضلًا في التاريخ، وله فيه مصنف جيد، وله كتاب في خطط مصر القديمة، وكتاب «أخبار قضاة مصر» جعله دليلًا على كتاب أبي عمر محمد بن يوسف الكندي في قضاة مصر، توفي ابن زُولَاقٍ يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة (387هـ).
26- القاضي أبو الطاهر محمد بن أحمد:
المعروف بـ (ابن نصير)، وقيل: (ابن نصر)، ولي القضاة سنة (346هـ)، وكان إمامًا زاهدًا عابدًا، توفي سنة (369هـ)، ودفن بهذه التربة المباركة، ولما بلغ المعز لدين الله الفاطمي موتُه حزن، وقال: رُفِع الزهد من بعده رحمه الله تعالى.
وبهذا المشهد جماعة أُخر من العلماء والصالحين، والله أعلم([1]).
مأساة مشهد ذرية وأحفاد (طباطبا):
بعد أن استعرضنا معًا شيئًا من تاريخ ذرية طباطبا، نعرض هنا ما آلت إليه قبورهم في عصرنا هذا:
كتب الأستاذ الصحفي حسام عبد ربه في مقاله اليومي «آل البيت في مصر» بجريدة الأخبار، رمضان (1416هـ)، تحت عنوان: (أولاد وأحفاد طباطبا غارقون في مياه الصرف الصحي! ينسبون للحسن بن علي، ويسميهم الأهالي: «السبعة الأطباء»):
أضرحة أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم غارقة في مياه الصرف الصحي منذ 8 سنوات بالتمام والكمال، دون أن يحرك أحد ساكنًا، ارتفاع المياه -كما شاهدنا- يبلغ أكثر من نصف متر، والدخول للأضرحة شبه مستحيل، والمياه تُغرق أيضًا بقايا مسجد قديم كان مُقامًا في نفس المكان، ورغم كل هذا فإنَّ زوَّار أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يأتون للمنطقة كثيرًا، ويقفون بعيدًا وراء الأسوار الحديدية التي تحيط بالمكان، ويقرءون الفاتحة والدموع تفِرُّ من أعينهم؛ حزنًا على مصير بقايا أهل البيت في مصر.
موقع هذه المأساة لمن يهمه الأمر، هو مكان يقع في شارع عين الصيرة محاط بأسوار عالية، وعليه يافطة مكتوب عليها: «حوش طباطبا الأثري»، وفي هذه البقعة مدفون أحفاد طباطبا الذين عاشوا في مصر، وقدموا فيها النموذج الأمثل للأخلاق الإسلامية والميراث النبوي، وكانت النهاية مع أحفاد التسعينيات، الذين صبوا على رءوسهم مياه الصرف الصحي دون أن تهتز لهم شعرة، أو يرتعش لهم قلب.
بحيرة راكدة:
الموقع يحتوي في أحد جوانبه على ضريحين، لكل واحد منهما قبة، وكلاهما غارق في مياه الصرف، والتشققات تكاد تلتهمهما، واستمرار هذا الوضع كفيل بتهدم الأبنية تمامًا، وعلى جانبهما مجموعة من الأعمدة لبقايا مسجد غارق في المياه، وتوجد مساحات واسعة للغاية تحيط ببقايا المسجد والضريحين، والمشهد بأكمله لا تبدو منه الأرض نهائيًّا، باستثناء قطعة صغيرة عند المدخل، يجلس داخلها حارس المكان.
الحارس يتبع المجلس الأعلى للآثار، ويقول: لست المسئول عن المكان هنا، والمسئول الأول عن الحوش هو المشرف على المكان، واسمه:... سألته: ما هي حكاية هذه المياه؟.
يجيب: هذه المياه تغمر المكان منذ أكثر من (8 سنوات)، وهي مياه الصرف الخاصة بمساكن حي عين الصيرة، والمفروض أنَّ مشروع الصرف الصحي لهذه المنطقة ينتهي إلى المنطقة الجبلية المحيطة بالمساكن، ويبدو أن عيوبًا أثرت على مواسير الصرف فتعطلت، واتجهت المياه إلى الأراضي المنخفضة، ومنها حوش «طباطبا» الأثري.
ثم يضيف الأستاذ حسام عبد ربه: وراء الحوش الأثري مشهد لا يسرُّ عدوًّا ولا حبيبًا، عشش صفيح، وبقايا رماد فحم تغطي الأرض بأكملها، وقبور متهدمة من تأثير هذه المياه، هذه المنطقة كانت منذ ثلاثين عامًا تضم (عيونًا لمياه جوفية) تشفي من آلام العظام والروماتيزم، ولكن تلوث كل شيء الآن.
ثانيًا: السادات الوفائية
بسفح المقطم بالقرب من ضريح ابن عطاء الله السكندري، وضريح أبي السعود بن أبي العشائر (وهو غير أبي السعود الجارحي) شرقي مسجد الإمام الشافعي، وسيدي عقبة (رضي الله عن الجميع) -يوجد مسجد السادات الوفائية، الذي يضم عددًا كبيرًا من أضرحة السادة بني الوفا، وقد أقيم المسجد مكان زاوية كانت تعرف باسم: (زاوية السادات أهل الوفا)؛ تنفيذًا للفرمان الذي أصدره السلطان عبد الحميد سنة (1191هـ).
وقد كان للسادة الوفائية زوايا تابعة لهم، وجاء في كتاب: «بيت السادة الوفائية»، ذكر زاويتين:
أولاهما: زاوية الرباط، وكانت بناحية الخرنفش، وكانت العادة قديمًا أن من يتولى مشيخة السَّجَّادَةِ الوفائية يتوجه إلى هذه الزاوية، ويخرج منها في موكب حافل. وقد تولى مشيخة هذه السجادة من آل وفا اثنان وعشرون خليفة، هم على الترتيب:
(1) سيدي علي وفا.
(2) أخوه أحمد وفا.
(3) السيد أبو الفتح.
(4) السيد أبو السيادات.
(5) السيد شمس الدين محمد أبو المراحم.
(6) السيد محب الدين أبو الفضل.
(7) السيد برهان الدين إبراهيم أبو المكارم.
(8) السيد شمس الدين محمد أبو الفضل.
(9) السيد برهان الدين أبو المكارم (وهو غير الخليفة السابع).
(10) السيد شمس الدين محمد أبو الوفا.
(11) زين الدين عبد الفتاح أبو الإكرام.
(12) السيد شرف الدين أبو اللطف.
(13) السيد زين الدين عبد الوهاب أبو التخصيص.
(14) السيد جمال الدين يوسف أبو الإرشاد.
(15) السيد شرف الدين عبد الخالق أبو الخير.
(16) السيد شمس الدين محمد أبو الإشراف.
(17) السيد مجد الدين محمد أبو الهادي.
(18) السيد شهاب الدين محمد أحمد أبو الإمداد.
(19) السيد شمس الدين محمد أبو الأنوار.
(20) السيد أحمد أبو الإقبال.
(21) السيد أحمد أبو النصر.
(22) السيد أحمد عبد الخالق السادات.
أمَّا ثاني هذه الزوايا التابعة لهذا البيت الكريم؛ فهي الزاوية الكبرى التي بسفح المقطم، التي بها أضرحتهم، أقيم مكانها المسجد الذي يحمل اسمهم الآن.
وقد وصف المسجد معماريًّا وتاريخيًّا الأستاذ علي مبارك في «خططه»، والأستاذة سعاد ماهر في «مساجد مصر وأولياؤها الصالحون».
ونحن نذكر هنا أشهر من دفن بالأضرحة الملحقة بالمسجد:
1- سيدي محمد وفا رأس الوفائية، ووالدهم بمصر:
هو أبو الأنوار محمد بن محمد الأوسط بن محمد نجم، (ومحمد الأوسط ووالده محمد نجم مدفونان بالزاوية النجمية بالإسكندرية)، وينتهي نسبه إلى الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
ولد بمدينة الإسكندرية سنة (702هـ)، ونشأ تقيًّا ورعًا محبًّا للعلم، سلك طريق الأستاذ أبي الحسن الشاذلي على الإمام داود بن باخلَّا، واجتمع بـ (ياقوت العرشي)، وهو أول من عرف باسم وفا من هذه الأسرة المباركة، وتُجْمِعُ المراجع التاريخية على أنَّه سُمِّيَ وفا؛ لأن النيل توقف، فلم يزد إلى أوان الوفا، فدعا السيد محمد ربه فَوَفَا النيل؛ فلقبوه بـ (وفا).
وهو من أكابر العارفين، وله مؤلفات أكثرها ما زال مخطوطًا في المكتبة الأزهرية، وفي دار الكتب المصرية.
ومن أهم كتبه: «نفائس العرفان من أنفاس الرحمن»، وكتاب «مناهل الصفاء»، وكتاب «الأزل»، و«المقامات السنية المخصوص بها السادة الصوفيَّة»، وله ديوان شعر عظيم.
توجَّه محمد وفا إلى «إخميم» بصعيد مصر، فتزوَّج بها، وأنشأ بها زاوية كبيرة، ووفد عليه الناس أفواجًا، ثم سار إلى مصر، وأقام بالروضة عاكفًا على العبادة، مشتغلًا بذكر الله، وطار حديثه إلى الآفاق.
توفِّيَ رضى الله عنه بالقاهرة سنة (765هـ)، فهو رأس الوفائية، وأول من دفن بهذا المكان (مسجد السادة الوفائية) منهم.
2- السيد علي وفا:
هو العالم العارف سيدي علي وفا ابن سيدي محمد وفا، ولد بالقاهرة (سنة 759هـ)، ولما توفي الشيخ محمد وفا ترك ولده علي وأخاه أحمد، وكانا صغيرين في كفالة وصيهما تلميذه الشيخ محمد الزيلعي، ولمَّا بلغ السيد علي من العمر سبعة عشر عامًا، جلس مكان أبيه في زاويته ولبس منطقته، فشاع ذكره في البلاد وكثر أتباعه ومريدوه، وقد كان رضى الله عنه في غاية الظُّرْفِ والجمال، لم يُرَ في مصر أجمل منه وجهًا ولا ثِيَابًا، وكان كثير الإقامة بمنزله بالروضة، كثيرَ التحجُّب هو وأخوه أحمد لا يخرجان إلا عند عمل الميعاد.
وله نظم شائع وموشَّحات رقيقهْ في أسرار أهل الطريقهْ.
ومن مؤلفاته: «الوصايا»، و«الباعث على الخلاص في أحوال الخواص»، و«الكوثر المترع من الأبحر الأربع» في الفقه، و«المسامع الربانية» في التصوف، و«مفاتيح الخزائن العلية».
وهو أول من تولى مشيخة السجادة الوفائية، ويقولون لشيخ السجادة: «الخليفة»، وقد انفرد بيت السادات الوفائية بمنح الكُنى، ابتداءً من السيد محمد وفا.
توفي الشيخ علي وفا رحمه الله بمنزله في الروضة في يوم الثلاثاء الثاني من ذي الحجة سنة (807 هــ)، وجنازته ضمَّت خلقًا كثيرًا لم ترَ القاهرة مثلها، ودفن مع والده السيد محمد وفا.
وقد ترك من الأولاد الذكور: أبو العباس أحمد، وأبو الطيب محمد، وأبو الطاهر محمد، وأبو القاسم محمد، ومن الإناث: حسنة، ورحمة، وضحى.
3- السيد أحمد وفا:
هو شقيق السيد علي وفا شهاب الدين أبو العباس أحمد وفا، ولِدَ بظاهر مصر سنة (756هـ)، ونشأ على طريقة حسنة ملازمًا للخلوة، توفي سنة (814هـ)، ودفن بالقرافة عند أبيه وأخيه.
4- السيد عبد الرحمن بن أحمد بن وفا:
هو السيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن وفا، الشهير بالشهيد، وُلِد قبل السبعين والسبعمئة، ونشأ على طريقة أبيه وعَمِّهِ (أحمد وفا وعلي وفا)، مات غريقًا في النيل يوم عاشوراء، قريبًا من روضة مصر سنة 814هـ، وغرق معه الفقيه الجمال محمد ابن أحمد بن محمد الزبيري قاضي المالكية، ويعرف بابن التنيسي.
5- أبو الفتح محمد بن وفا:
هو السيد أبو الفتح (فتح الدين) محمد بن أحمد بن محمد وفا، ثالث خلفاء آل الوفا، ولد بمصر تقريبًا سنة (770هـ)، وقال السَّخَاوِي: سنة (790هـ).
وكان يقول الشعر الحسن، وتكلَّم على الناس بعد عمه علي وفا.
قال السَّخَاوِي: وقد حضرت مجلسه، وسمعت كلامه، وكان له رونق، ولكلامه عشاق.
مات بالروضة في يوم الإثنين مستهلِّ شعبان سنة (852هـ)، ودفن بتربة جده، وقد زاد على الستين، وكانت جنازته مشهودة.
6- أبو السيادات يحيى:
ولد سنة (798هـ) وله شعر، وتكلم على الناس، ورزق القبول، وهو الخليفة الرابع، ومات سنة (857هـ)، ودفن معهم.
7- أبو المواهب محمد:
شمس الدين أبو المواهب محمد بن أبي الفضل محمد، خلف عمه يحيى في المشيخة، فهو الخليفة الخامس، وكان يتكلم على الناس، ولم يكن يظن به ذلك، مات سنة (867هـ) في الروضة بين البحرين، ودفن مع أجداده في زاوية أهل الوفا.
8- محب الدين أبو الفضل محمد:
محب الدين أبو الفضل محمد المجذوب، كان شديد الذكاء، خلف والده في التكلم والمشيخة (الخليفة السادس)، ودفن مع أجداده.
9- برهان الدين إبراهيم أبو المكارم:
الخليفة السابع: برهان الدين أبو المكارم إبراهيم بن محب الدين محمد المجذوب، ولد حدود (870هـ)، ونشأ في كنف أبيه، واستقرَّ في المشيخة بعد أبيه، وماتَ في أوائل القرن العاشر.
10- أبو الفضل محمد بن أبي المكارم:
خلف والده في المشيخة، وله مفاخرُ ومآثر، مات سنة نَيِّفٍ وأربعين وتسعمئة، يوم الجمعة في المشهد حال جلوسه بعد صلاة الصبح، ودفن مع أسلافه، وصُلِّيَ عليه بمكة صلاة الغائب.
11- البرهان أبو المكارم إبراهيم:
الخليفة التاسع: برهان الدين أبو المكارم إبراهيم، وهو حفيد الخليفة السابع على عادة أسلافه في تكرار الأسماء والألقاب والكنى، ولد في حدود (920هـ)، وقام مقام أبيه مع فطنته ونباهته وعلو همته، حج سنة (949هـ)، ومات سنة (966هـ)، وقيل (968هـ)، ودفن مع أجداده.
12- أبو الفضل محمد:
الخليفة العاشر شمس الدين أبو الفضل محمد بن الخليفة التاسع، خلف أبيه في المشيخة، فكان على قدمٍ عظيم، ذو تواضع عميم، وكان يحث عليه، وتوفى سنة (1008هـ) في حياة أخيه، وهو والد أبي الإسعاد، وأبي المكارم، وأبي الإشراق.
13- أبو المكارم عبد الفتاح:
أبو المكارم، ويقال: أبو الإكرام، عبد الفتاح بن أبي العطاء عبد الرزاق، هو الخليفة الحادي عشر، ولد في سنة (1003هـ)، وخلف عمَّه أبو الفضل محمد في المشيخة بإشارة منه، ماتَ ليلَة الجمعة الحادي عشر من ذي الحجة سنة (1054هـ) بمصر القديمة، ودفن بزاويتهم مع أجداده.
14- أبو الإسعاد يوسف بن أبي عطا:
هو أبو الإسعاد يوسف بن أبي العطا عبد الرزاق بن أبي المكارم ابن إبراهيم بن وفا، أخو أبو المكارم، ولد سنة (993هـ) أو (994هـ)، وأنفق عمره في طاعة الله.
وكان كثير الحج يحج عامًا ويقيم عامًا، وزار القدس والخليل، وحج سنة (1050هـ)، وحج معه جمع كثير من الفضلاء، واجتمع في مكة مع الشيخ تاج الدين العثماني رئيس الطريقة النقشبندية، وأخذ كل منهما على الآخر، وله مؤلفات منها «شرح رسالة الشيخ أبي بكر بن سالم المسماة بنور الحديقة»، وله ديوان شعر جليل، وغير ذلك من المؤلفات، وكانت وفاته ليلة الأحد، سلخ صفر سنة (1051هـ)، ودفن بتربة أجداده.
15- أبو اللُّطْفُ يحيى:
هو السيد شرف الدين يحيى أبو اللطف بن أمين الدين أبي الإشراق بن أبي العطاء، الخليفة الثاني عشر من آل الوفا، خلف عمه أبي الإكرام في المشيخة والتكلم، وانقادت له الدولة، وكان يخرج لزواره حاملًا القهوة والفطور بيده، وكان يتبرك به، وكانت وفاته سنة (1067هـ).
16- أبو الحسن علي بن أبي الإسعاد يوسف:
أخو «أبو التخصيص عبد الوهاب»، ولد سنة ألف وأربعين هجرية، كان مكبًّا على القرآن والعلم والذكر، حجَّ مرارًا، وزار القدس، توفي سنة (1089هـ) بالمدينة المنورة، ودفن بالبقيع بالقرب من الإمام مالك؛ (فهو ليس مدفونًا في زاوية أهل الوفا بمصر).
17- أبو الفضل محمد بن أبي الإكرام:
هو أبو الفضل محمد بن أبي الإكرام عبد الفتاح بن أبي العطا، ولد في بضع وأربعين وألف، كان أبيضَ وسيمًا ربعة، ذا جود وإنعام وتواضع، توفي في سنة (1084هـ)، ودفن بالزاوية ولم يعقب.
18- أبو العطاء عبد الرازق بن أبي الإكرام:
أبو العطاء عبد الرازق بن أبي الإكرام شقيق أبي الفضل محمد السابق، ولد في بضع وأربعين وألف، وكان حسن الشمائل كثير الفضائل، متواضعًا كثير العبادة، ومات سنة (1095هــ) ودفن بالزاوية مع أجداده.
19- أبو التخصيص عبد الوهاب:
هو السيد زين الدين عبد الوهاب أبو التخصيص بن أبي الإسعاد يوسف بن عبد الرازق بن إبراهيم بن وفا، ولد في ذي القعدة (1030هـ)، وكان لوالده اعتناء به كثير، حَجَّ معه، وكان يدعو له تجاه الكعبة وتجاه القبر الشريف، وكان إذا عقد درسًا حضره أكابر العلماء في منزله، وله ديوان شعر عظيم، وخلف ابن عمه الشيخ أبا اللطف يحيى، فكان الخليفة الثالث عشر من أهل وفا، وكانت له كرامات ظاهرة، وتوفي في الثامن من رجب سنة (1098هـ).
20- أبو الإرشاد يوسف:
هو الشيخ يوسف بن عبد الوهاب أبي التخصيص بن يوسف بن عبد الرازق بن وفا، خلف والده في المشيخة، وهو الخليفة الرابع عشر من آل وفا، وكان من أهل الكشف والزهد في الدنيا، وكان كريمًا وذا حشمة زائدة، وتوفي في الحادي والعشرين من المحرم سنة (1113هـ)، وكان رحمه الله تعالى أَجَلَّ أولاد أبيه.
21- أبو الخير عبد الخالق بن أبي التخصيص:
هو السيد عبد الخالق أبو الخير بن عبد الوهاب أبي التخصيص بن يوسف بن عبد الرازق بن إبراهيم بن وفا، خلف في المشيخة أخاه أبا الإرشاد، عُمِّرَ طويلًا حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، ولقد تلقى عنه أكابر العلماء وأحبوه، ولم يزل على سيرة حميدة حتى لَبَّى مولاه في ثاني عشر من ذي الحجة سنة (1161هـ)، ودفن عند آبائه في زاوية أهل الوفا.
22- أبو الإشراق محمد بن أبي الإرشاد:
هو أبو الإشراق محمد بن أبي الإرشاد يوسف بن أبي التخصيص عبد الوهاب، ولد في اليوم الذي توفي فيه أبوه، ولما تُوُفِّيَ عمه عبد الخالق أبو الخير في سنة (1161هـ)، خلفه في المشيخة والتكلم، وهو الخليفة السادس عشر، توفي في سادس جُمَادَى الأولى سنة (1171هـ)، وحمل إلى الزاوية فدفن عند عمه.
23- مجد الدين أبو الهادي:
هو السيد مجد الدين أبو هادي محمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عبد الوهاب ابن يوسف بن عبد الرازق بن وفا.
ولد تقريبًا في حدود سنة (1152هـ)، ومات والده وهو طفل، وقد خلف والدَه أبا الإشراق في المشيخة والتكلُّم في السابع من جمادى الأولى سنة (1171هـ)، وتولى نقابة السادة الأشراف، وساس فيها أحسن سياسة، ولم يزل على أمر جميل حتى لبَّى مولاه صبحَ الخميس في الخامس من ربيع الأول سنة (1176هـ)، ودفن في الزاوية الوفائيَّة مع أجداده.
24- شهاب الدين أحمد أبو الإمداد:
هو شهاب الدين أحمد أبو الإمداد بن وفا، خَلَفَ ابن عمه محمد أبا هادي في المشيخة والتكلم، وولِيَ نقابة السادة الأشراف بمصر، وتوفي في الثامن من محرم سنة (1182هـ)، ودفن في الزاوية.
وهذا آخر من تيسر لنا ذكر ترجمته من (السادة بني الوفا) ممَّن دفن بهذه الزاوية التي بالمقطم، والتي أقيم مكانها مسجد يحمل اسمهم الآن ويضم أضرحتهم، ويحيط بالمسجد من جهاته الأربع أروقةٌ دُفِنَ بها السادة أهل الوفا.
وما ذكرناه هو خلاصة ما ذكره السيد محمد توفيق البكري في كتابه «بيت السادة الوفائية»، وعلي مبارك في «خططه»، وسعاد ماهر في «مساجد مصر»، والسَّخَاوِي في «الضوء اللامع»، والسَّخَاوِي الحنفي في «تحفة الأحباب»، ومحمد فتحي أبو بكر في ذيل كتاب «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار».
وقد قال الأخير: ولا يزال هذا المسجد قائمًا، وتؤدى فيه الشعائر، غير أن بعض التصدُّعات التي حدثت في سقفه نتيجة للزلزال الذي جدث في القاهرة (يعني الزلزال الكبير الذي حدث في مصر في الثاني عشر من أكتوبر سنة 1992م).
كما نالت منه -مسجد السادة الوفائية- يدُ الزمن؛ فتهدَّمت ما به من الخلاوي، وإن بقيت أبوابها قائمة دليلًا عليها، ولا تزالُ المباني التي بجوار المسجد وداخل السور الخارجي قائمة حتى الآن، ويقيم بها المهتمون بشئون هذا المسجد، هذا وتقوم مصلحة الآثار الآن بترميم هذه التصدُّعات، وإصلاح ما أفسده الدهر بهذا المسجد.
([1]) تم الاستعانة بالمراجع الآتية في تحقيق من دفن بمشهد طباطبا: «نور الأبصار» للشبلنجي، و«مرشد الزوار» لموفق الدين ابن عثمان، بتحقيق محمد فتحي أبو بكر، و«الكواكب السيارة» لابن الزَّيَّاتِ، مع ملاحظة أنَّنا رجَّحنا الصواب فيما اختلفت فيه تلك المراجع، على أوهام ظاهرة في بعضها.