الباب الثاني : أقطاب أهل البيت الأشراف نبذات عن علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعًا
أولًا: تعريف بأبي الحسن الإمام عليٍّ:
فوالده: أبو طالب عَمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، شقيق عبد الله بن عبد المُطَّلِبِ، والد النبي صلى الله عليه وسلم.
وأمُّه: هي فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناديها بـ «يا أمي»، ولما تُوُفِّيَتْ كَفَّنَها صلى الله عليه وسلم في قميصه، واضطجع في لحدها، ودعا لها، وقال صلى الله عليه وسلم: «لقد كنتِ أمي بعد أمي».
وكنية الإمام عليٍّ رضى الله عنه: أبو الحسن، وكان النبي يكنيه أيضًا: أبا تراب، وقد ضمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا، وهو طفل فربَّاه في بيته كأبنائه، فلما بلغ عشر سنين تَنَزَّلَ الوحي، وبُعِث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان عليٌّ أول من آمن به من الصبيان، وأقام عليٌّ مع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاثَ عشرةَ سنة، وفداه يوم الهجرة، وكان معه بالمدينة ابنًا وأخًا مجاهدًا، حتى تزوج عليٌّ بسيدة نساء العالمين «فاطمة» بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثُمَّ عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثين سنة، ومات وعمره نحو ثلاث وستين سنة، ولم يتزوج عليٌّ على فاطمة حتى تُوُفِّيَتْ، فتزوج عدة نساء؛ لأنه كان يريد نسلًا كبيرًا يؤيد بيت النبوة، وكان له سبعة وعشرون ولدًا وبنتًا -على بعض الروايات- ولكن نسله كله كاد أو انحصر أخيرًا في ذرية الحسن والحسين وزينب {، وكان لهم شقيقان لم يُعَقِّبَا، هما: رقيةُ وأم كلثومَ، من فاطمة رضي الله عنها.
هذا، وقد تَكَفَّلَ أبو طالب بتربية سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم وهو طفل، وتكفل النبي صلى الله عليه وسلم بتربية سيدنا عَلِيٍّ وهو طفل؛ فكانت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لـ (عليٍّ) في مقابلة تربية أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يبقَ لأحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَضْلٌ ولا مجاملة.
وأشهر زوجات الإمام عليٍّ -بعد سيدتنا فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم- هي: السيدة أم محمد (حبيبة الحنفية)، وكان محمد ولدها إمامًا جليلًا، له مواقف مشهودة مع أخويه الحسن والحسين.
ثم تزوج عليٌّ رضى الله عنه بعد الحنفية: أم البنين (فاطمة)؛ فأعقَبَ منها: (العباس، وعبد الله، وعثمان، وجعفر)، وكانوا يسمون العباس بن علي (قمر بني هاشم)؛ لجماله وجلالته وفضله وعلمه، وكل هؤلاء الإخوة جاهدوا مع أخيهم الحسين، واستشهدوا معه، ودفنوا معه في قبره بكربلاء.
ثم تزوج عليٌّ بـ (أمامة بنت زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم)، وهي الأخت الكبرى، ولكنه لم يعقب منها ذكورًا.
ومدة خلافة عليٍّ خمس سنين وستة أشهر، وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى شهيد الغدر، بسيف (عبد الرحمن بن ملجَم المُرَادي)، وقام على تجهيزه الحسن والحسين، وأخوهما محمد بن الحنفية، ودفن ليلًا كما سبق أن دُفِنت زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا بالبقيع؛ منعًا من الفتن، ثم إن قبر عليٍّ بالكوفة بالنجف الأشرف بالعراق، وهذا القبر يقع -كما يجري على الألسن هناك- بين قبري (آدم ونوح)، وفي جوارهما قبر (هود وصالح)، وتسمَّى هذه المراقد بـ (العتبات المقدسة)، ولا تدخلها امرأة سافرة، أو غير متحشمة تمامًا.
ثانيًا: تعريف بأم الحسنين فاطمة الزهراء:
ولدت بمكة يوم الجمعة الموافق العشرين من جمادى الآخرة، بعد البعثة بعامين.
وأمها: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
وقد كنَّاها والدها المصطفى صلى الله عليه وسلم بـ (أم أبيها)؛ لشدة حبه له وحبها له، وكان يقوم لها إذا أقبلت -بعد أن تزوجت عليًّا رضى الله عنه- ويقبِّلها ويجلسها في مكانه، وجعل سكنها بجوار بيته.
ومن ألقابها: «الزهراء»، و«البتول»، و«النبوية».
وتزوجت الإمام علي رضى الله عنه، فرزقها الله بـ (الحسن رضى الله عنه) بعد الهجرة بثلاث سنين، وولدت (الحسين رضى الله عنه) بعد نحو عام واحد من ولادة أخيه الحسن، وتوفيت في يوم الثلاثاء، ثالث أيام جمادى الآخرة -في مثل شهر ولادتها- سنة عشرة من الهجرة، وكان ذلك بعد وفاة أبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم بخمسةٍ وسبعين يومًا، فقد بلَّغها في مرض موته أنها أول أهله لحوقًا به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ودفنت بالبقيع رضي الله عنها.
ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: «سميتها فاطمة؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ فَطَمَهَا وفطم من أحبها عن النار»، وكانت أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم صورةً وسمتًا وكلامًا وتعبدًا وخُلُقًا عظيمًا.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاطمة بضعة -أي قطعة- منِّي، يرضيني ما يرضيها، ويؤذيني ما يؤذيها».
وفي الحديث الثابت عنه صلى الله عليه وسلم: «لكل أبناء نبيٍّ عصبة ينتمون إليها إلا ابنتي فاطمة، فأنا وليها وعصبتها» [أخرجه الحاكم في «المستدرك» عن جابر، وأخرجه أبو يعلى في «المسند» عن فاطمة، وأخرجه آخرون].
ولهذا كان الأشراف كلهم من أبنائها رضي الله عنها؛ أعني ذرية الحسن والحسين وزينب، عند من يرى امتداد شرف النبوة إلى أبناء البنات، كصاحب كتاب «إسماع الصُم في إثبات الشرف من الأم»؛ خلافًا لـ (ابن عبد السلام، وابن عرفة، والسرخسي، والزمخشري)، ووافقهم الكثيرون، ومضى الحكم على هذا الاعتبار.
أمَّا المُحَسَّن أخو الحسنين، فقد مات طفلًا (من فاطمة).
ثالثًا: تعريف بالإمام الحسن:
والده: علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
وأمُّه: فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
وُلِدَ بالمدينة المنورة، ليلة النصف من رمضان، في السنة الثالثة للهجرة، وهو أول أبناء عليٍّ وفاطمة رضي الله عنها، ولما وُلِدَ أذَّن رسول صلى الله عليه وسلم في أذنِهِ اليمنى، وأقام الصلاة في أذنه اليسرى، وفي يوم سبوعه عقَّ (ذبح) عنه صلى الله عليه وسلم وحلق رأسه، وتصدق بوزن شعره فضة، وسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن (ولم يكن للعرب عهد بهذا الاسم)، وكنَّاه: أبا محمد، ومن ألقابه: الزكي، والمجتبى.
وكان جده المصطفى صلى الله عليه وسلم، يقول: «الحسن سبط من الأسباط، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».
وأمَّا زوجاته رضى الله عنهن، فهنَّ:
(1) أم إسحاق بنت طليحة بن عبد الله.
(2) حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.
(3) هند بنت سهيل بن عمرو.
(4) جعدة بنت الأشعث بن قيس، وهي التي يقال: إنها قتلته بالسم (في اليوم السابع من صفر عام تسع وأربعين)، بتدبير تمَّ بينها وبين بني أميَّة، والله أعلم!.
وأمَّا أولاده، فهم: (زيد، والحسن المُثَنَّى، وعمرو، والقاسم، وعبد الله، وعبد الرحمن، والحسن المثلث، وطلحة، وأم الحسن، وأم الحسين، وفاطمة).
ولكن نسله الشريف جاء من ولده الحسن المُثَنَّى، وولده زيد، وإليهما ينتمي الأشراف من بني الحسن، وقد بويع بالخلافة بعد أبيه في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، ولكنه -حقنًا لدماء المسلمين، ودفعًا لمسيرة الإسلام إلى الأمام- عقد صلحًا مع معاوية (في جمادى الأولى عام واحد وأربعين من الهجرة)، وبذلك حَقَّقَ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بَشَّرَ بأن الله يصلح به ما بين طائفتين من هذه الأمة، ومع أن معاوية لم يوفِّ بعهده للحسن؛ فإننا نكل أمرهما إلى الله، ولا نجدد الفتن التي -قَطْعًا- تضرُّ الآن ولا تنفع، والله قاهر فوق عباده.
ثم انتقل الإمام الحسن إلى الرفيق الأعلى بعد تسع سنين، ودفن بالبقيع رضى الله عنه.
رابعًا: تعريف بالإمام الحسين:
وقد ولد الإمام الحسين (أبو عبد الله) رضى الله عنه، في ثالث أو خامس يوم من أيام شعبان سنة أربع من الهجرة، بعد نحو عام من ولادة أخيه الحسن رضى الله عنه، فعاش مع جده المصطفى صلى الله عليه وسلم نيفًا وست سنوات، وقد مات الحسين، وله من العمر سبعة وخمسون عامًا، واستُشْهِدَ في يوم الجمعة أو السبت الموافق العاشر من المحرَّم في موقعة كربلاء قريبًا من (نِينَوَى) بالعراق، عام إحدى وستين من الهجرة.
قتله عمر بن سعد بن أبي وقاص، وخولي بن يزيد الأصبحي، واجتزَّ رأسه الشريفَ سنانُ بن أنس النخعي، وشمر بن ذي الجوشن، وسلب ما كان عليه إسحاق بن خويلد الخضرمي، وذلك بعد قتال مرير غير متكافئ بينه وبين ألوف الجنود من جيش يزيد بن معاوية، التي كان قد وجهها إليه عبد الله بن زياد عامل يزيد بن معاوية على العراق، حين لم يكن مع الحسين إلا قلَّة من أهل بيته، ومنهم العديد من النساء والأطفال.
ولم يكن رضى الله عنه خارجًا لحرب، وإنما استجابة لرغبة أهل العراق في تجديد الأمر والنهي لله، وإرجاع الدعوة الإسلامية إلى نبعها؛ إرشادًا وهداية، ومحافظة على الإسلام، وإلَّا فهل يخرج رجل لحرب الألوف بعشرات من الأطفال والنساء والرجال العُزَّل، غفر الله للجميع!.
وقد شهد الحسين مع والده واقعة (الجمل)، و(صِفِّينَ)، وحروب الخوارج وغيرها، كما شارك بعد وفاة أبيه في فتح أفريقيا وآسيا، كما سجَّله سادة المؤرخين.
وقد دفن جسده الطاهر بكربلاء بالعراق، أمَّا الرأس الشريف فقد طيف بها إرهابًا للناس حتى استقر أو حُفِظَ بعسقلان، من ثغور فلسطين على البحر المتوسط، ثم لما اشتعلت الحروب الصليبية، وخاف الخليفة الفاطمي على الرأس؛ فأذن وزيره (الصالح طلائع بن رزيك) فنقلها إلى مصر بالمشهد المعروف بها الآن، بتحقيق أعلم المؤرخين وأصدقهم، ولا اعتبار للروايات التي يتمسك بها النواصب من خصوم أهل البيت والمتمسلفة، فهي منقوصة من كل الوجوه، وقد حققنا ذلك فيما يأتي بما لا يدع مجالًا لأي شك أو ريبة.
وقد تزوج الحسين رضى الله عنه بعدد من النساء؛ رجاء كثرة النسل، لحفظ أثر البيت النبوي، كما فعل أبوه من قبل، وقد حَقَّقَ الله هذا الرجاء، فحفظ ميراث النبوة وعصبتها في نسل الحسن والحسين وزينب أخت الحسين، وفاطمة ابنته، رضي الله عن الجميع.
أمَّا أبناؤه، فهم:
(1) عليٌّ الشهيد، أمُّه: برة بنت عروة بن مسعود الثقفي من أشرف بيوت العرب.
(2) عليٌّ الأوسط (أو المثنى)، واشتهر بالإمام.
(3) عليٌّ الأصغر (أو المثلث)، واشتهر بزين العابدين السَّجَّادِ، وأمهما: الأميرة مشهر بانو بنت كسرى شاهنشاه ملك الفرس.
(4) محمد، وعبد الله، وسكينة الكبرى، والصغرى، وأمهم: الرباب بنت امرئ القيس الكندية من ملوك العرب.
(5) جعفر، وأمه: القضاعية.
(6) فاطمة.
(7) وزينب، وأمهما: أم إسحاق بنت طليحة بن عبد الله من كبار الصحابة.
ولكن نسل الحسين رضى الله عنه كله كان من عليٍّ الأصغر (زين العابدين السجَّاد)؛ (يعني كثير السجود والعبادة)، فمن بنتيه: فاطمة وزينب (عند من يقر الشرف من طريق البنات كما قدمنا)، وإن كانت ذرية فاطمة قليلة ونادرة.
وقد روى الحاكم وصححه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: «حُسَيْنٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، اللهمَّ أَحِبَّ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ، الحَسَنُ والحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ».
وروى ابن حِبَّانَ وابن سعد وأبو يعلى وابن عساكر عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من سَرَّهُ أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة؛ فلينظر إلى الحسين بن عليٍّ رضى الله عنه».
قال الشاعر المحب:
قيل: تشقى بحبِّ (آل النبي) |
* | قلتُ: هذا كلامُ غاوٍ غبي |
فاز كلبٌ بحبِّ أصحاب كهف |
* | كيف أشقى بحبِّ (آل النبيِّ)! |