في الرحاب الطاهرة للأستاذ السيد محمد وهبي إبراهيم (شقيق السيد الرائد)
أولًا: من هم أهل البيت؟
قال أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة: أهل البيت هم عليٌّ وفاطمة، والحسن والحسين. وذهب إليه الزمخشري في بعض أقواله وتبعه بعض المفسرين.
وقال الفخر الرازي والقسطلاني وآخرون: أهل البيت أولاده وأزواجه، والحسن والحسين، وعليٌّ منهم لمعاشرته فاطمة، وملازمته النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال سعيد بن مقاتل، وعِكْرَمَةُ، ومقاتل: أهل البيت نساؤه.
وقال زيد بن الأرقم: أهل البيت من تحرُم عليهم الصدقة، وهم: آل علي وعقيل وجعفر والعباس، وذلك هو الراجح.
قال السُّيُوطِيُّ: هؤلاء هم الأشراف حقيقة في سائر الأمصار، وهو ما عليه الجمهور.
وقال الشعراني: قول زيد بن الأرقم هو معنى حديث صحيح.
قلنا: رواه مسلم والنسائي.
ثانيًا: من هم أهل العباءة والرداء؟
في «الخطيب» عن عائشة رضي الله عنها، أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج وعليه مُرْطٌ مرحَّل (عباءة صوف) من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم الحسين، ثم فاطمة، ثم علي، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب:33]، وفي رواية أخرى، قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي -أو أهل بيت محمد- فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد، كما جعلتها على إبراهيم؛ إنك حميد مجيد». ونحوه روايات شتى.
وفي رواية: «كان معهم جبريل وميكائيل».
قال الطبري: وقد تكرر هذا الفعل مرات منه صلى الله عليه وسلم.
وعن علي رضى الله عنه، قال: شكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حسد الناس لي، فقال: «أما ترضى أن تكون رابع أربعة، هم أول من يدخل الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا، وذرياتِنَا خلف أزواجنا».
ومما يلحق بهذا المقام ما رواه الدَّيْلَمِي، قال: قال صلى الله عليه وسلم: «نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة: أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي».
ثالثًا: آية ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله... ﴾ [الأحزاب:33]:
روى أحمد والطَّبَرَانِي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ، وفي عليٍّ، وحسن، وحسين، وفاطمة».
وروى أحمد والترمذي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطَّبَرَانِي، والحاكم وصححه عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية، كَانَ يَمُرُّ بِبَابِ فَاطِمَةَ إِذَا خَرَجَ إِلَى صَلاَةِ الْفَجْرِ يَقُولُ: «الصَّلاَةَ أَهْلَ الْبَيْتِ، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾» [الأحزاب:33].
وفي رواية أبي سعيد: جاء صلى الله عليه وسلم أربعين صباحًا إلى دار فاطمة، يقول: «السلام عليكم أهل البيت، رحمكم الله، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾» [الأحزاب:33].
وفي رواية له عن ابن عباس: «سبعة أشهر»، وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطَّبَرَانِي: «ثمانية أشهر».
رابعًا: آية المودة في القربى:
قال القسطلاني: المراد بالقُرْبى من ينسب إلى جده الأقرب عبد المطلب، وقال البغوي والرازي والبيضاوي، وتابعهم أكثرُ المفسرين: القربى هم أهل البيت.
قال الزمخشري: روي أنَّه لمَّا نزلت هذه الآية، قيل: يَا رَسُولَ الله، مَنْ قَرَابَتُكَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنَاهُمَا».
قلنا: هذه هي رواية الطَّبَرَانِي، وابن مَرْدَوَيْهِ، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضى الله عنه، ويدُلُّ له سبب نزول الآية؛ فإنه لما تفاخر الأنصار بأيديهم على الدعوة الإسلامية، وعاتبهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما مَنُّوا به على الله، أسفوا وجَثَوْا على الرُّكَبِ، وقالوا: «أموالنا وما في أيدينا للهِ ورسوله»، فنـزل قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾ [الشُّورى:23].
هذه نصوص قطعية في أن المراد بالقربى، هم أهل بيت رسول الله، لا يشذ عن ذلك إلا المبتلَوْن بالحقد على أهل البيت باسم العلم والسلفية.
خامسًا: وجوب حب أهل البيت:
(1) أخرج ابن سعد، قال صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بأهل بيتي خيرًا؛ فإني أخاصمكم عنهم غدًا، ومن أكن خصمه خصمه الله».
(2) ونقل القرطبي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب:33]، قال: رِضَا محمد ألا يدخل أحد من أهل بيته النار.
(3) وروى الدَّيْلَمِي والطَّبَرَانِي والْبَيْهَقِي وابن حِبَّانَ، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وتكون عترتي أحب إليه من عترته، وأهلي أحب إليه من أهله، وذاتي أحب إليه من ذاته».
(4) وأخرج البخاري، عن ابن عمر رضى الله عنه، قال أبو بكر رضى الله عنه: خطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي». [ثلاثًا].
(5) وروى الإمام أحمد، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَإِنَّ اللطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا بِمَا تَخْلُفُونِي فِيهِمَا» وفي رواية: «إن الله سائلكم كيف خلفتموني في كتاب الله وأهل بيتي».
(6) وروى الحاكم، والترمذي، وصَحَّحَهُ على شرط الشيخين، قال صلى الله عليه وسلم: «أَحِبُّوا الله لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ الله وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي».
واستقصاء هذه الأخبار يطول، وحسبنا هذا لمن شرح الله صدره، ورفع قدره.
سادسًا: تحريم بغض أهل البيت:
(1) أخرج الطَّبَرَانِي والْبَيْهَقِي وابن مَنْدَهْ وابن عاصم، قال صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي؟ أَلا ومن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله».
(2) وروى أبو الشيخ، قال صلى الله عليه وسلم: «ما بال رجال يؤذونني في أهل بيتي؟ والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحبني، ولا يحبني حتى يحب ذريتي».
قلنا: وقد كان من أدب السلف الصالح ألا يقرءوا في الصلاة بسورة (اللهب)؛ حفاظًا على قلب رسول الله ونفسه، مع أنَّها قرآن منـزل؛ (خلافًا لأدعياء السلفية، فهم يتعمدون القراءة بها غلًّا).
(3) وروى أحمد مرفوعًا: «من أبغض أهل البيت فهو منافق».
(4) وروى الحاكم صحيحًا على شرط الشيخين: قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَبْغَضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلاَّ أَدْخَلَهُ الله النَّارَ».
(5) وروى الدَّيْلَمِي، عن أبي سعيد: قال صلى الله عليه وسلم: «اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي».
(6) وروى الطَّبَرَانِي في «الأوسط»، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يبغضنا أحد إلا ذِيدَ عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار» (أي أُبْعِد عن حوضه صلى الله عليه وسلم).
(7) ونختم البحث بما رواه الدَّارَقُطْنِي مرفوعًا، قال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا الحسن، أما أنت وشيعتك ففي الجنة، وإن قومًا يزعمون أنهم يحبونك يصغِّرون الإسلام ثم يلفظونه، يمرقون منه، كما يمرق السهم من الرَّمَيَّة».
وهذا الحديث من أعلام النبوة في تصوير متمسلفة هذا الزمان، ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين.
خادم العشيرة المحمدية
محمد وهبي بن إبراهيم الخليل بن علي الشاذلي
رحمه الله تعالى