باب الصدق في الحياء من الله عز وجل
يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ»([1]).
وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كلُّه»([2]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى وَالْبَطْنَ وَمَا وَعَى وَلْيَذْكُرِ المَقَابِرَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا»([3]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «استح من الله كما تستحي من رجل صالح من قومك»([4]).
وقال رجل يا رسول الله: ما نبدي من عوراتنا ومانذر؟
قال: «استر عورتك إلا من أهلك وما ملكت يمينك».
قال: فأحدنا يكون خاليًا.
قال: «فالله أحق أن تستحي منه».
وكان أبو بكر رضى الله عنه، إذا ذهب إلى الخلاء يغطي رأسه ويقول: إني لأستحيي من ربي.
وهذه أخبار تدل كلها على قرب الله عز وجل من القوم؛ لأن المستحيي من الله تعالى، يرى اطلاع الله تعالى عليه، ومشاهدته له في جميع الأحوال.
قلت: فما الذي يهيج الحياء؟
قال: ثلاث خصال؛
الأولى: تفكيرك في دوام إحسان الله تعالى، إليك مع تضييع الشكر منك، ومع دوام إساءتك وتفريطك.
والثانية: أن تعلم أنك بعين الله عز وجل في متقلبك ومثواك.
والثالثة: ذكر لوقوفك بين يدى الله عز وجل، ومساءلته إياك عن الصغير والكبير.
قلت: فما الذي يشيد الحياء ويقويه؟
قال: «الخوف لله عز وجل، عند الهوى الخاطر الواقع في القلب؛ فيفزع القلب، ويستوحش عندما يعلم أن الله تعالى، يرى ما فيه فيثبت الحياء من الله([5])، فإذا دام على ذلك زاد الحياء وقوي».
قلت: فالذي يولد الحياء ما هو؟
قال: الفزع من أن يكون الله تعالى عنه معرضًا وله ماقتًا، ولفعله غير راض.
قلت: فما الغالب على قلب المستحيي من ربه؟
قال: إجلال رؤية ما يراه، فحينئذ يهاب الله عز وجل، ويستحيي منه.
قال أبو سعيد رحمه الله تعالى: سمعت بعض المريدين سأل بعض أهل المعرفة.
قال: ما علامة هيبة الله في قلب العارف بالله؟
قال: إذا استوى عنده الأفعى والذباب.
قلت: فيم يضعف الحياء؟
قال: يترك المحاسبة وترك الورع.
قلت: فكيف أحوال المستحيي في نفسه؟
قال: طول الخشوع ودوام الإخبات([6])، وتنكس الرأس، وانحصار الطرف، وقلة النظر إلى السماء، وكلال اللسان عن كثير من الكلام، والفزع من التكشف في الخلاء، وترك العبث والضحك، والحياء عند إتيان ما أباحه الله، فكيف بذكر عارض، مما نهى الله تعالى عنه؟
والناس يتفاوتون في الحياء على قدر قرب الله تعالى منهم وقربهم منه.
([4]) هذا مثل تقريبي وإلا فالله أكبر فالاستحياء منه يحب أن يكون على قدره، ومع هذا فما أحد قدر الله حق قدره؛ لأنه لا يحيط بقدره حقيقة إلا هو، والحديث رواه ابن عدي بنحوه.
([5]) ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف:201].