باب : الصدق في معرفة النفس والقيام عليها
قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾([1]).
وقال تعالى في قصة يوسف عليه السلام حين يذكر عنه: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾([2]).
وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى*فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى﴾([3]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أعدى عدو لك: نفسك التي بين جنبيك، ثم أهلك، ثم ولدك، ثم الأقرب فالأقرب»([4]).
ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نفس إن قبقبها([5]) ونغْمَتها([6]) ذمته غدًا عند الله».
قيل له: وما هي؟ قال: «أنفسكم التي بين جنبيكم».
فمن صفة الصادق في القصد إلى الله تعالى: أن يدعو نفسه إلى طاعة الله تعالى، وطلب مرضاته، فإن أجابته حمد الله تعالى وأحسن إليها.
فهكذا يروى عن أبي هريرة رضى الله عنه، أنهم رأوه يوطى([7]) شيئًا يفترشه.
فقيل له: ما هذا؟
قال: نفسي إن لم أحسن إليها لم تحملني.
وإن لم تجبه إلى ما يرضي الله رآها بطيئة، منعها محبوبها من العيش، وخالفها عندما تهوى، وعاداها في الله ولله، وشكاها إلى الله، حتى يصلحها له.
ولا يقيم على ذمِّها مع الإحسان إليها، وذكر عيوبها والذم لها، وما لا يرضاه من فعلها، مع الإقامة معها على الذي تهواه من الفعل.
وهكذا يروى عن بعض العلماء أنه قال: قد علمت أن من صلاح نفسي علمي بمفاسدها.
وكفى بالمرء إثمًا أن يعرف من نفسه عيبًا لا يصلحه، وليس منتقلًا من ذلك إلى توبة.
وقال بعض العلماء: إن كنت صادقًا في ذمك لنفسك: فإن ذمك غيرك بما فيك فلا تغضب.
وإذا نازعتك نفسك إلى شيء من الشهوات، أو شغل قلبك في طلب شئ مما حرم عليك وحلى لك، فاتَّهِمْهُمَا تهمةَ من يريد صلاحها، وامنعها من ذلك منع من يريد استعبادها، واحملها بالامتناع عن الملاذ على اللحوق بمن تقدمها.
فإن الذي نازعتك إليه: لا يخلو من أن يكون حرامًا تستحق به السخط، أو حلالًا تستوجب به طول الوقوف على المسألة إذا مضى التاركون للحرام إجلالًا له وتعظيمًا له، ووقفوا عن الحلال للانكماش([8]) والمبادرة.
فاعمل في قطاع نفسك عن الحالين جميعًا، فإن من فطم نفسه عن الدنيا، كان رضاعه من الآخرة، ومن اتخذ الآخرة أُمًّا أحبَّ برها، والورود عليها.
إذا رضى أبناء الدنيا بالدنيا أُمًّا، وبروها، وسعوا من أجلها، فارم المؤثرين للدنيا من قلبك بالهجران، مع النصيحة لهم وتحذيرهم إيَّاها.
واحذر التخلف عن السابقين، وانظر في خاصة نفسك، وحث على ذلك أصفياءك وبطائنك. فإن السابقين شمروا وشدوا المآزر، وكشفوا عن الرءوس والسوق([9])، فاغتنموا الصحة، وبادروا في النشاط، ورعوا حق الله تعالى، وحذروا أن يهتكوا سترًا مما نهاهم عنه، وتحبَّبوا إليه برفض ما أباح لهم أخذه، وتركوا الحرام تعبدًا، والحلال تقربًا، وألفوا السهر والظمأ، وأنسوا إلى التبلغ والاجتزاء باليسير.
([4]) عداوة النفس؛ لأنها أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، وعداوة الأهل، لعلها من ناحية الفتنة، إنما أموالكم وأولادكم فتنة، أو أن ذلك محمول على البعض دون الكل، وإن من أزواجهم وأولادكم عدوًّا لكم فاحذورهم.
باب الصدق في معرفة عدوك: إبليس