مقامات الصادقين
كل قوم على أقدارهم
واعلم أيها السائل عن الصدق وشرحه، أن الذي ذكرته لك، إنما هو ظاهر الصدق والصبر، والإخلاص الذي لايسع الناس جهله، ولا ترك العمل به خاصة المريدين من الناس، الطالبين لسلوك سبيل النجاة.
ومن الناس من لايكون له عند الله تعالى إلا هذا العلم الظاهر والعمل الظاهر، فيفعل في ذلك ويصدق فيه، فيؤديه ذلك إلى رحمة الله تعالى وثوابه، وله عند الله خير كثير.
ومن الناس من يصدق في هذه المقامات التي ذكرناها وأكثر، فيؤديه ذلك في عاجل الدنيا إلى المقام الرفيع والعلم بالله والمقام الشريف، فيصير إلى الروح والراحة، والنعمة بمعرفة الله عز وجل، والظفر بقرب الله تعالى، والوصول إلى المنزلة الشريفة، التي يدق([1]) وصفها وشرحها.
وقال بعض العلماء بالله تعالى: إن الله يكرم أولياءه بكرامة لا يطلع عليها العباد، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ألم تسمع لقول الله عز وجل: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾([2])
ويقال في الحديث: «فيعطون ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر».
وهكذا كل قوم على أقدارهم.
ومنهم من لا تنقضي كرامته من ثواب الله تعالى، ومن النعيم في الجنان، ومنهم من لا تنقضي كرامته من الله تعالى، والزيادة من بره والنظر إليه.
وقد صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إِنَّ أَدْنَى([3]) أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه ألفي عام يرى أقصاه([4]) كما يرى أدناه».
ومنهم من ينظر إلى وجه الله جل وعز كل يوم مرتين.
ومحال أن يكون هؤلاء سواء، أو كان علمهم في الدنيا سواء.
قال جل ذكره: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾([5]).
فلم يقع التفضيل على الخلق إلا بفضل علمهم بالله تعالى والمعرفة به، ثم على قدر هذا الأنس تفاوتوا في الدنيا والآخرة.
وبالله التوفيق.
امتحان المؤمن
قلت: فهل يصير العبد إلى حال يفقد مطالبة الصدق من نفسه، ويسقط عنه مؤنة الأعمال، وأثقال الإخلاص، ومؤنة الصبر، ويكون عاملا بالصدق؛ فأخذ مما ذكرت وأكثر بلا اشتغال ولا تعب؟
قال: نعم، ألم تسمع الحديث يروي: «إن الجنة حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات».
ويروى في خبر آخر: «إن الحق ثقيل مريء([6])، وإن الباطل خفيف وبيء([7])».
والنفس مجبولة بحب هذه الدار والسكون إليها، وحب الدعة([8]) والراحة فيها. أما الحق واتباعه والعمل به، والصدق وأخلاقه؛ فذلك كله هو خلاف محبوب النفس.
فإذا عقل العبد عن الله تعالى وفهم مادعاه إليه من العزوف([9]) عن هذه الدار الفانية، والرغبة في الدار الباقية، حمل عند ذلك نفسه على احتمال المكاره: من ركوب طريق الصدق، وعزم على بذل المجهود، وصبر لله تعالى، وكابد([10]) نفسه، واستعان بالله تعالى؛ فنظر الله تعالى إليه راغبًا فيما لديه، حريصًا على أن يرضيه، وعاد عليه عند ذلك بلطفه وعونه، فسهل عليه العسير مما استصعب من نفسه، وأبدله بالمرارة حلاوة، وبالثقل خفة، وبالخشونة لينًا ودعة، فسهل عليه قيام الليل، وصارت المناجاة لله تعالى، والخلوة بخدمته له نعيمًا بعد شدة المكابد، وصار الصيام والظمأ في الهواجر([11]) خفيفًا عليه، حين ذاق عذوبة مارجًا من روح الله تعالى، وحسن عاقبته.
وكذلك تبدلت وسهلت الأخلاق والأحوال عليه، حين قام له من كل مقام عاناه وكابده لله تعالى، التماس رضاه عوض مكانه من الخير، فتغيرت عند ذلك أخلاقه، وانتقل طبعه وهدأت نفسه وانتعش عقله، وسكنه نور الحق فألفه، ونفر عنه الهوى وطفئت ظلمته، فصار عند ذلك الصدق وأخلاقه طبعًا له لايحسن غيره، ولا يألف إلا إياه. ولا يسكن إلى غيره، واكتنفته([12]) العصمة من ربه.
فضعف عند ذلك كيد عدوه، وصار مغلوبًا حين ماتت دواعيه من الباطل، وكلَّ([13]) سلاحه، بموت الهوى وانقياد النفس، حين تخلقت بأخلاق المرحومين.
قال الله جل ذكره حين أخبر عن يوسف عليه السلام: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ([14]) بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾([15]).
فأنفس الأنبياء والصديقين عليهم السلام مرحومة، وكذلك كل مؤمن على حسب قوة إيمانه، فسقطت عند ذلك عن البعد معاناة الصدق وثقل العمل به، فصار عاملًا بالصدق الذي ذكرناه، وأكثر بأضعاف كثيرة بلا مؤنة؛ بل صار ذلك نعيمًا وغذاء، إن تركه توحش من تركه وتفزع([16]) من فقده، فصار الصدق وأخلاقه صفة له، لا يحسن غيرها، حتى كأنه لم يزل كذلك.
ومصداق ذلك في الكتاب والسنة موجود.
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾([17]).
وقال عز وجل: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾([18]).
وقال عز وجل: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ﴾([19]).
وقال عز وجل: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾([20]) أي عن الدنيا.
وإنما أردنا أن نثبت المجاهدة للنفوس، وبذل الجهد([21]) في الصدق.
ثم إن المعونة من الله تأتي من بعد ذلك، والحجة في ذلك قائمة في السنن.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير سورة «طه» قال: معنى «طه»: يارجل (بلسان الحبشية) ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾([22]) قال : لتعنَّى به.
أفلا ترى أنه حين قام صلى الله عليه وسلم لله عز وجل شكرًا، حتى تورمت قدماه شكرًا لله تعالى، فأمره بالهدوء؟
وقد روي، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعبد في جبل حراء الشهر وأكثر([23]).
وكذلك يروى، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرس ويحفظ من عدوه، حتى نزلت هذه الآية: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ فنحى([24])، الحرس تصديقًا لقول الله عز وجل حين ذكر له أنه يعصمه، فأيقن وسكن صلى الله عليه وسلم.
وكذلك المؤمنون يأتيهم اليقين بعد الضعف، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الغار بالجبل الذي يقال له (ثور) ويختبئ هو وأبوبكر الصديق رضى الله عنه، ثم يخرجان إلى المدينة هاربين في السر.
وهذا إنما كان وقت البلوى من الله تعالى له؛ إذ كان عليه السلام في مقام الصبر والمجاهدة، ثم من بعد ما صار إلى المدينة عليه السلام تغزوه قريش يوم وقعة أحد فتقتل أصحابه وتكسر رباعيته([25]) عليه السلام، ويدمى وجهه؟
أفلا ترى أن الهوى([26]) والمحنة لازمة له وللمؤمنين، طالبة لهم؟
ثم إنه صلى الله عليه وسلم يخرج هو وأصحابه، فيهل([27]) ويسوق الهدى، يريد العمرة([28]) فتمنعه قريش من دخول مكة، حتى اضطرب الناس، فأحل([29]) بالموضع الذي يسمى الحديبية ورجع ولم يدخل الحرم!.
ثم انظر الآن حين انقضت مدة البلاء وجاء النصر كيف دخل مكة صلى الله عليه وسلم فقتل وأمن من شاء، ثم بشر عندها بالمغفرة، فأنزل الله عز وجل: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾([30]).
وهذا موسى عليه السلام ومنزلته عند الله، فانظر إلى عظيم بلائه، حين حملت به أمه، كيف ذبحت النساء وقتل الولدان، في طلب موسى عليه السلام، فرجع بلاؤه على الخليقة.
ثم أخبر الله عز وجل عنه فقال: ﴿فَأَصْبَحَ فِي المَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾([31]).
وقال: ﴿إِنَّ المَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾([32]).
ثم انظر أيها المريد، الطالب للوصول إلى كرامة الله عز وجل، بالتواني والتفريط([33])، ألم يبلغك أن موسى عليه السلام لم يصل إلى امرأته حتى رعى الغنم وخدم عشر سنين، ثم أرسله الله تعالى وكلمه وأظهر برهانه؟!
فقال: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه:46].
فحين قال لهما: ﴿لَا تَخَافَا﴾، هل خافا؟ ألم يجعل لهما آية في عصا فظهرا([34]) على كيد السحرة، وهزما الجيوش، ثم أداله([35]) الله تعالى من أعدائه، وأغرقهم أجمعين؟!
وهذا يوسف عليه السلام حين أخبر الله تعالى عنه: أنه يلقى في الجب ثم يباع بثمن بخس دراهم معدودة، وكانوا فيه من الزاهدين، ثم لم يفارقه البلاء، حتى فتن بامرأة العزيز وسجن السنين الكثيرة.
ثم انظر كيف أداله الله تعالى على إخوته، ثم أخرجهم الله تعالى، فأظهر برهانه وجعله على خزائن الأرض.
وكذلك الأنبياء الذين ذكرهم الله عز وجل، عليهم السلام.
وفي هذا بلاغ لمن فهم عن الله عز وجل وعن العلماء الأدلاء([36]) على الطريق إلى الله عز وجل.
وهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وما روي عنه: أنه ما سلك طريقًا قط إلا سلك الشيطان طريقًا غيرها، وقال: «إن الشيطان ليفر من جبين عمر» وقد كان بالأمس من اللات والعزى في أمور ترضي الشيطان!
فانظر كيف أخلص لله تعالى وصدق إن كان منه العدو وباطله.
وروي عن ثابت البناني رحمة الله عليه أنه قال: كابدت([37]) القرآن عشرين سنة، وتنعمت به عشرين سنة.
وقال بعض الحكماء: إن القوم لم يزالوا يمضون([38]) الصبر حتى صار عسلًا.
وقال بعض الحكماء: إن دون([39]) كل بر عقبة، فمن تجشم ركوبها أفضت([40]) به إلى الراحة، ومن هاله([41]) ركوب العقبة فلم يرقها([42]) بقي مكانه!».
قلت: فلا بد من هذه البلوى والاختبار؟
قال: لا بد منه لكل عبد رفيع القدر عند الله عز وجل، من أهل المعرفة بالله عز وجل.
وقد صح الخبر عن النبى صلى الله عليه وسلم، أنه سئل: من أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ»([43]).
يبتلى العبد حسب دينه فإن كان في إيمانه قوة شدد عليه البلاء، وإن كان في إيمانه ضعف خفف عليه البلاء.
فالأنبياء عليهم السلام، بادأهم الحق عز وجل، بكرامة الرسالة، وبشرهم بالنبوة، ثم حل عليهم البلاء، فاحتملوا البلاء بقدر الكرامة التي أكرمهم بها، حتى راضهم([44]) بالبلاء وتفقهوا فيه، وبه صبروا لله عز وجل، حتى نصروا.
والمؤمنون قامت لهم الرغبة في ثواب الله عز وجل الذي وعدهم، والرهبة من عقابه الذي به تواعدهم، فصبروا لله تعالى وأخلصوا وصدقوا، فشكر الله تعالى لهم ذلك، وأظهر برهانهم على الخليقة، فجعلهم علماء يقتدى بهم، وأسكن اليقين قلوبهم.
ثم إن المؤمنين، بعد ذلك على وجهين:
فمنهم: من يبدؤه الله تعالى، بالنعمة والمنة والموهبة، فيهب له الإنابة، ويحبب إليه البر، ويسهل عليه الطاعة، ويبدؤه بالمنن الكثيرة.
فإذا تمكن الروح في قلبه، واستعذب الأعمال الصالحة حمل عليه، بعد ذلك البلاء والاختبار والمصائب والضراء والعسر والشدة، نعم.
ثم تؤخذ منه الحلاوة التي كان يجدها، والنشاط في البر، فتثقل عليه الطاعة بعد خفتها، ويجد المرارة بعد الحلاوة، والكسل بعد النشاط، والكدر بعد الصفاء؛ وذلك لعلة البلوى والاختبار، فتعتريه الفترة([45]).
فإن جاهد الآن وصبر واحتمل المكروه، صار إلى حد الراحة والبلوغ، وأضعف له البر ظاهرًا وباطنًا.
وهكذا يروى في الحديث: «إِنَّ لِكُلِّ شِرَّةً([46]) فَتْرَةً فَمَنْ كَانَتْ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ([47]) فَقَدِ نَجَا، وَإِنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى بِدْعَةٍ([48]) فَقَدْ هلك».
وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه: طوبى لمن مات في النأنأة: بدء الإسلام وشرته.
ويروى في الحديث: «إن الله عز وجل، يأمر جبريل عليه السلام، فيقول: اقبض حلاوة الطاعة من قلب عبدي، فإن تأسَّف عليها فردها عليه وزده وإلا فدعه».
ويروى في حديث آخر: «إن الله عز وجل، يقول: إن أدنى([49]) ما أصنع بالعالم ذا ركن إلى الدنيا أن أنزع حلاوة مناجاته إياي من صدره، وأن أدعه في الدنيا حيران».
وفي خبر آخر: «إن العبد إذا ركن إلى الدنيا بعد العلم والمعرفة والعلم بالبصيرة، يقول الله عز وجل لجبريل عليه السلام: انزع حلاوة مناجاته إياي من صدره، وأعطه من الدنيا مقصمًا([50]) يشتغل به عني».
أما العبد الثاني: فإنه يبدأ بالصدق والأعمال الصالحة وأخلاق الصدق، ثم يعمل في ذلك ما شاء الله عز وجل، فتأتيه الكرامة بعد ذلك، فيعطيه الله تعالى ما لم يرجه ويحتسبه.
وهكذا عامة البدلاء لاتأتيهم الآيات والكرامات إلا من بعد العمل وبذل الجهد، وأكثر ما لم يحتسبوا ما أتاهم الله تعالى به، حين بدأهم الله عز وجل به.
ومنهم من اطلع على القوم، وقيل له: إنك منهم، فعمل بعد أن أخبر بذلك.
ومنهم من يعرف نفسه ولايعرف غيره.
ومنهم من يعرف الجميع بأسمائهم وقبائلهم.
فإن كنت أيها السائل عن الصدق وشرح الطريق، قد عملت في الصدق ما ذكرته لك من العلم، وباشرت هذه المنازل، ونزلت هذه المراحل، وقطعت هذه الأسباب التي ذكرناها، فأفضيت منها إلى الراحة والسكون والطمأنينة، فأنت محاط بالعصمة وماض على سبيل الاستقامة والمحجة البيضاء، التي توردك على الله عز وجل؛ هنيئًا لك وبارك الله فيك، فأنت من أمرك على بصيرة.
فإن كنت قد باشرت الصدق وعملت في كل مقام البر بقدر طاقتك وما أذن الله تعالى لك، وعاينت الأمور؛ فعسى أن يكون الله قد رآك، وقد أبليت([51]) فيما بينك وبينه، عذرًا لرغبتك في التقرب إليه، فصح إليه افتقارك، حين علمت أنه لا بد لك منه، فألقيت كنفك([52]) بين يديه، فعسى أن يكون قد رآك في بعض الأوقات إليه قاصدًا راغبًا، بنية صحيحة وعزم صادق، علم أنك لا تمل ولاتبرح من التعرض له دون بلوغ مناك، فجادلك ببره، وأعطاك بعض الأمل منه، بل جذب قلبك إليه جذبة؛ فأسكنه اليقين، وأشرف به على الآخرة، فسهل عليك عند ذلك العسير، وألان لك من نفسك الصعب الذلول، ثم اختصر بك الطريق إليه، فقر قرارك وقامت حياتك وطاب عيشك.
فبذلك تعرف السيد الكريم الذي لا تنقصه المواهب، ولا ينفد نائله؛ لأنه البر الرحيم، الذي تسمَّى الشكور.
فيا عجبًا كل عجب، وعجب كل متعجب ولا عجب؛ إذ كان السيد الكريم يفعل ما يريد.
ولكن موضع العجب يلزم العبيد من شكره لعبيده، الأمر الذي بدأهم به ودلهم عليه، واستعملهم به وحفظ عليهم، ثم أحبهم عليه ونسبه إليهم فعلًا، ثم كتبه لهم في المقبول، ثم أثنى به عليهم بما وعدهم عليه الجزاء.
فهذا البر الآن من الكريم لا نقف عليه العباد؛ بل تحير فيه العقول.
هيهات أيها السائل المريد! استيقظ من طول هذه الرقدة، إنما هذه أسماء علقها عليهم أنهم فاعلون، وأمور نسبها إليهم وما أظنها إلا له، والتوفيق والصنعة منه في صنعته التي تفرد بإنشائها وإبدائها لما شاء، وهو الفعال لما يريد، الذي يصيب برحمته من يشاء.
والعقلاء عن الله عز وجل من عباده، يتلقون الأمور على هذا الوصف والشرح، ويرجعون في الأشياء إليه، ويرونها منه سبحانه؛ لأنه كان بدأها، وعليه تمامها، فهو القائم بها وإليه مرجعها.
و﴿للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾([53])
﴿أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ﴾([54])
وأما الضعفاء من الخلق، فإنهم يرون لأنفسهم ها هنا فعلًا هيهات إذا صدقوا وأخلصوا طلبوا الجزاء من الله عز وجل على ذلك، وذلك مبلغهم من العلم، ولهم عند الله تعالى خير كبير.
وأذكر لك مقامًا فاعرض نفسك، وغيرك عليه ممن تراه من العبيد، يشير إلى المعرفة والعلم، والسكون إلى الله عز وجل.
فإن كنت قد شربت بكأس المعرفة بالله تعالى، فأطلعكم الله بصفاء اليقين، على ما سبق لك عنده في القديم، حين أرادك قبل أن تريده وكان لك عالمًا قبل أن تعرفه، وذكرك قبل أن تذكره، وأحبك قبل أن تحبه، فهاج منك الآن الشكر له على أياديه([55])، فألزم قلبك المحبة على أياديه، فآثرته وارتاحت روحك إليه، فألفت قربه، فصرت الآن إليه تأوي، وفي قربه تسكن، فهو لا يغيب عنك ولا تفقده ذاهبًا وجائيًا وقائمًا وقاعدًا، ويقظان وراقدًا، وعلى كل حال.
أما سمعت ما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: «تَنَامُ عَيْنَاي وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي»([56]).
وكذلك المؤمنون على أقدارهم.
فما أعظم شأنك([57]) أيها العبد وأجل خطبك؛ إذ كان السيد الكريم الكبير المتعال الغني الحميد، ذكرك ذكرًا بعد ذكر فخصك، فأجزل لك العطية؛ إذ دلك على محبته فآثرته، فكان هو بغيتك ومرادك([58])، ومنتهى رغبتك وليس منك شيء تملكه للعباد، ولكنها موهبة، وهي أول أعلام الوصول إلى الراحة يكون الله مراد العباد لا غيره.
ومن علامة ذلك، أن يكون هوالحافظ عليك، ما استودع قلبك من ذكره ومودته، وأوجدك من قربه وتعطف عليك ببره، فسامحك الآن فسقطت عنك حركات الطلب للظفر أو التقرب، إلا حركة تهيج منك الآن شكرًا له على أياديه، وإيجابًا لحقه وألفة له([59]) غيره، والتنعم بمناجاته، ولذة خدمته وما أراد فيك من تعبده بمشيئته؛ ليريك موضع قدرته، واختلاف أحكامه عليك لتفقه عنه، وأنت في ذلك واجد لقربه، وغير متشاغل بحركاتك، ولاطالب منه عليها جزاءً وثوابًا، كما أراد العباد الزهاد، ولكن تعمل لله تعالى حبًّا وكرمًا؛ لأنه خلقك كرمًا واستعملت بأخلاق الكرماء.
وبالله التوفيق.
علامة الواصلين
وهذا الآن جوابٌ لك آخر على مسألتك، حين قلت: هل يصير العبد إلى حال يفقد مطالبة الصدق من نفسه؟ وهي علامة الواصلين، فافهمها.
أما علمت أيها المريد، أن الورع والزهد والصبر والتوكل والخوف والرجاء والمراقبة والحياء والمحبة والشوق والأنس والصدق في المواطن والإخلاص فيها، وكل خلق حسن جميل، إنما هي منازل نزلها العمال لله عز وجل، ثم ارتحلوا منها إلى غيرها، حتى وصلوا إلى المنى من قرب سيدهم؟!
فما أنت وذكر المنزل الذي نزلته حتى أوصلك إلى بغيتك، إن كنت واصلًا ظافرًا ببعض حظك من مطلوبك؟ فأنت كأنك مشاهده.
فعليه الآن فازدد إقبالا، وإليه فأدم النظر وأَصِغْ إليه بالآذان الواعية، فإنه أقرب إليك منك إلى نفسك، فما أنت الآن وذكر الصدق؟! وإنما هو منزل من منازل الطالبين.
وبعد، فإن كان قد فتح لك الباب الذي كان بينك وبينه مغلقًا. وكشف عن قلبك الستر الذي كان عليه مرخي؛ فأوجدك قربه، ولاطفك ببعض التأنس، فعساك أن تكون قد صرت إلى بعض سؤلك فقر قرارك.
وإن كنت وغيرك من الطالبين، إنما فقدت وجود مطالبة الصدق، وما أشبهه من الأمور من وجودك لقرب الله عز وجل والتشاغل به، فتلك بغية العارفين بالله عز وجل.
وكذلك فافهمها من نفسك ومن غيرك، ولاتتخذ عن نفسك من حظك من ربك، واعلم أن الواصلين إلى الله عز وجل، وأهل القرب منه الذين قد ذاقوا طعم محبة الله تعالى بالحقيقة، وظفروا بحظهم من مليكهم، فمن صفاتهم: أن الورع والزهد والصبر والإخلاص والصدق والتوكل والثقة والمحبة والشوق والأنس والأخلاق الجميلة، وما لم يكن يمكن أن يوصف من أخلاقهم، وما استوطنوه من البر والكرم فذلك كله معهم، وساكن في طبعهم، ومخفي في سرائرهم، لا يحسنون غيره؛ لأنه غذاؤهم وعادتهم؛ لأنهم فرضوا ذلك على أنفسه فرضًا، وعملوا فيه حتى ألقوه، فلم يكن عليهم بعد الوصول كلفة([60]) في إتيانه والعمل به، إذا حل وقت كل حال؛ لأن ذلك غذاؤهم، كما ليس لهم في أداء الفرائض ثقل ولا علاج([61]).
وذلك لما غلب على قلوبهم من الإيثار لله عز وجل والقرب منه، فهم عاملون به بلا مئونة، بل بلا تشاغل بالأعمال الظاهرة؛ لأن الخدمة والأعمال الظاهرة، إنما تقع على ظاهر الجوارح.
فافهم هذا الموضوع، والقلوب بعد ذلك ذاهلة؛ بل هي بالله مشغولة للذي استولى عليها من قرب الله عز وجل، والمحبة لله والشوق إليه والرهبة منه والتعظيم له والإجلال.
فافهم أيها المريد، ما ألقيت إليك وتدبره تجده بينًا معروفًا، إن شاء الله تعالى.
فأحضر الآن عقلك، واجمع همك، ولا تسمع العلم وأنت عازب([62]) الفهم عن الذي يلقى إليك، فلا عذر لك الآن بعد العلم والبيان؛ بل قد تأكدت عليك الحجة، فاعمل في التخلص إلى الله عز وجل لعلك تتخلص، فتقر عينك بمعرفته في هذه الدار عاجلا قبل الآجل.
نعم، ثم يدوم حزنك ويشتد كربك، وتزداد كل حال كنت تجدها أضعاف ما كنت تجدها قبل المعرفة والوصول.
ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾([63]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً»([64]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصَّعَدَاتِ، تَجْأَرُوْنَ إِلَى اللَّهِ»([65]).
وعلى حسب ذلك كان صلى الله عليه وسلم.
وكذلك العارف بالله، القريب من الأشياء، الموفق في كل حال يحل فيها بما يكون فيها بخلاف غيره من الناس.
ثم على هذا القياس، وفي هذا بلاغ لمن فهم وتدبر.
وبالله التوفيق.
المقربون
قلت: متى يألف العبد أحكام مولاه، ويسكن في تدبيره واخياره؟
قال: الناس في هذا على مقامين؛ فافهم.
فمن كان منهم إنما يألف أحكام مولاه؛ ليقوم بأمره الذي يوصل إلى ثوابه، فذلك حسن وبه خير كبير، إلا أن صاحبه يقوم ويقع، ويصبر مرة ويجزع أخرى، ويرضى ويسخط، ويعبر ويراجع الأمر؛ فذلك يؤديه إلى ثواب الله ورحمته، إلا أنه معنى في شدة ومكابدة.
وإنما يألف العبد أحكام مولاه، ويستعذب بلواه، ويسكن في حسن تدبيره واختياره بالكلية بلا تلكؤ([66]) من نفسه، إذا كان العبد آلفًا لمولاه ولذكره، وهو له محبٌّ وادٌّ، وبه راض، وعنه راض.
فهل يكون أيها السائل، على المحب مئونة فيما حكم عليه محبوبه؟ كيف؟ وإنما يتلقى ذلك بالسرور والنعيم.
هكذا قال في الخبر: حتى بعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة.
وقال في خبر آخر: غنية الصديقين ما زوي([67]) عنهم من الدنيا.
وروي عن الله عز وجل في بعض ما أنزل من كتبه، أنه قال: «معشر المتوجهين إليَّ بحبي، مايضركم ما نابكم من الدنيا إذا كنت لكم حصنًا، وما يضركم من عاداكم إذا كنت لكم سلمًا؟!».
فمن كان مع الله عز وجل، بهذه الأحوال في المواطن، كيف يكون إلا على نحو ماذكرناه.
ولقد قال بعض العلماء بالله تعالى، وأهل القرب منه: إن القوم الذين ذكرنا بعض أحوالهم لايرضون من أنفسهم أن تكون تقاوم الأمور عند حلولها، والأحداث عند نوازلها؛ حتى تتمكن من قلوبهم، فيحتاجون أن يصبروا عليها أو يرضوا بها، بل الصبر والرضا لهم، تابع مضاف؛ لأنهم طالبوا من أنفسهم صحة الشغل بالله تعالى، والانفراد به، فلم يرضوا عند ذلك أن تكون الأمور النازلة بهم تقاوم ذكر الله تعالى، حتى نساويه: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ [يوسف:21].
وبعد، فإنهم عبيد محكوم عليهم، وإن أقل القليل في الأوقات ليملكهم، حتى يقروا لله تعالى، بالضعف ويسألوه العون، فلا تعجب، إذا بدا([68]) لك من أحد منهم شيء من ذلك، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «إِنِّي بَشَرٌ، اللَّهُمَّ من دَعَوْتُ عَلَيْهِ فَاجْعَل دَعائي عليه رحمة».
وسمعت بعض العلماء بالله عز وجل، يقول: إن من شدة اتصال العبد بمولاه ووجده به، ونزوله في قربه لايحد طعم اختلاف الأحكام؛ بل يكون معه النظر الخفي إليها، حتى كأنها على غيره أو بغيره نازلة.
فهذا غاية من التلقي للأحكام، فافهم هذا الموضوع وتدبره، فإنه يؤديك إلى علم السكون إلى الله تعالى، والطمأنينة على قد القرب من القلب.
ومن شرح السكون إلى الله تعالى، فقد حسن الأشياء من القلب وسكون دواعي الهم وهدوء الضمير مع الله وإلى الله تعالى!
فعند ذلك تكون الأمور من الدنيا والآخرة، وأعمال البر والطاعة طالبة للعبد ولاحقة به، وإليه محتاجه وإليه واصلة، بل إليه موصولة؛ لأنه عزف عنها([69]) واستغنى بمالكها فوصلت إليه.
قال الله عز وجل: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾([70]).
وبلغنا أن الله عز وجل أوحى إلى عيسى عليه السلام: «أنزلنى منك كهمك واجعلني ذخرًا لك في معادك»([71]).
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق، أنه قال: «مَنْ جَعَلَ الْهَمَّ هَمًّا وَاحِدًا([72]) كَفَاهُ اللَّهُ سَائِرَ هُمُوْمِهِ».
وروي عن الفضيل بن عياض رحمه الله، أنه قال: ما عجبت من عبادة ملك مقرب ولا نبي مرسل إذا كان الله عز وجل قواهم على ذلك.
وهكذا من ذكرناه من القوم وصفاتهم.
فمن نظر إلى عبيد الله تعالى بنفسه وقياسه،وبأنفسهم ما يشبههم فهم عنده في موضع النقص أبدًا.
فإذ نظر إليهم بالله عز وجل، وبقوته وتدبيره، فمما يعجب؟
وبالله التوفيق.
مسألة تدل على ما ذكرناه، قلت: فما تقول في عبد كان لا يتكلم ولا يتحرك، ولا يعمل عملًا إلا طولب عليه في ذلك ووجد النقصان ولحقته الفترة والقسوة في أوقات نيله وأكله وشربه، وكذلك في جميع أحواله، ثم صار إلى حال يتكلم ويتحرك في الأمور، ويقبض ويبسط، ويأكل ويشرب، ولا يستوحش ولا يجد مطالبة ولايرى نقصًا كما كان يراه قبل؟
قال: هذه مسألة حسنة فافهمها، فما أحوج المريدين العمال إليها.
اعلم أن المريد الطالب للصدق، هو عامل في جميع أموره بالمراقبة لله عز وجل بالقيام على قلبه وهمه([73]) وجوارحه بالمحاسبة.
فهو جامع لهمه، حذرًا من أن يدخل في همه ما لا يعنيه، حذرًا من الغفلة.
فالحركات في ظاهر جوارحه بجوارحه تنقصه، والهمم الداخلة عليه في قلبه تكدر همه([74])، فهو عند ذلك يتفرغ من الحركات التي ذكرت، وإن كانت في حق وبحق، وذلك لما غلب على قلبه من محبته أن يكون ذكره دائمًا، وهمه واحدًا.
فإذا دام على ذلك تفطن قلبه وصفت فكرته، وسكن النور قلبه وقرب من الله تعالى، فغلب على قلبه وهمه.
فعند ذلك يتكلم والقلب يغلي بالذكر لله عز وجل، وقد كمنت([75]) في سويداء([76]) قلبه محبة الله تعالى، فهي لازمة للضمير لا تفارقه.
فمن شأنه في سرائره أن يكون ناعمًا بالمخاطبة لله الخفية، والمطالعة الشجية والمحادثة الشهية.
وهكذا يكون في أكله وشربه ونومه وكل حركاته؛ لأن قرب الله تعالى، إذا تمكن في قلب العبد غلب على ما سواه من باطن عوارض الهمم، وظاهر حركات الجوارح، فعندها يكون العبد ذاهبًا وجائيًا، وآخذًا ومعطيًا، والغالب عليه هم ما قد ملك ضميره من محبة الله عز وجل وقربه.
ألم تر نفسك، أيها المريد كيف تملك قلبك أحيانًا هم من أمر الدنيا، فيسلبك عن كل شيء، حتى يكدر عليك العيش، فتكون ساهيًا إلا عن ذلك، حتى تفقد النوم؟
فأمر الله عز وجل أحرى عند العقلاء وأولى.
فعندما ذكرنا صحبت العبد من الله عز وجل العصمة، فكان محفوظًا من النقصان.
([33]) التواني والتفريط: التواني من تواني توانيًا إذا لم يهتم ولم يحتفل بالأمر، والتفريط من فرط تفريطًا إذا ضيعه.
([44]) راضهم بالبلاء: أسلس قيادهم به؛ أي جعل أنفسهم راضية بالبلاء، حتى صار الحلم طابعها، والدماثة من سجاياها.
([65]) تجأرون: ترفعون أصواتكم بالدعاء، والحديث متفق عليه إلى قوله: «كثيرًا»، ورواه بهذه الزيادة أحمد والحاكم.