باب الصدق في معرفة عدوك: إبليس
قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير﴾([1]).
وقال جل وعز: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ﴾([2])
وقال تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾([3]).
وقال عبدالله بن مسعودرضى الله عنه: للملك لِمَّة، وللشيطان لِمَّة: فلمة الملك إيعاد بالخير، ولمة الشيطان إبعاد بالشر.
وقال في خبر آخر: إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس([4])، وإذا غفل وسوس.
فاقطع مادته بالعزيمة على مخالفة هواك، وامنع نفسك من الإفراط والتشوف([5])، فهما خير أعوانه عليك، وبهما يقوى كيده، وإذا اتبعتهما فأحضر عقلك وعلمك الذى علمك الله تعالى، فقم بهما على نفسك، وراع قلبك وما يقع فيه، فما كان من أجناس الخير والعلم فاتبعه، وما كان من جنس الباطل والهوى فانفه بالسرعة، ولا تماد على الخطرة([6])، فتصير شهوة، ثم تصير الشهوةُ هِمَّةً([7])، ثم تصير الهمَّةُ فِعْلًا.
واعلم أن عدوك إبليس لايغفل عنك في سكوت وكلام، ولا صلاة ولا صيام، ولا بذل ولا منع، ولا سفر ولا حضر، ولا تفرد ولا خلطة، ولافي توقر([8]) ولا عجلة، ولا في نظر ولا في غض بصر، ولا في كسل ولا في نشاط، ولا في ضحك ولا بكاء، ولا في إخفاء ولا في إعلان، ولا حزن ولا فرح، ولا صحة ولا سقم، ولا مسألة ولا جواب، ولا علم ولا جهل، ولا بعد ولا قرب، ولا حركة ولا سكون، ولا توبة ولا إسرار.
ولن يألو جهدًافي توهين عزمك، وفتور نيتك، وتأخير توبتك، ويسوِّف بك وقتًا إلى وقت، ويأمرك بتعجيل مالا يضرك تأخيره، يريد بذلك قطعك من الخير، ثم يذكرك في وقت شغلك بالبر والطاعة، الحوائج ليقطعك عن خير أنت فيه.
وربما حبب إليك النقلة من بلد إلى بلد، يوهمك أن غير البلد الذي أنت فيه أفضل؛ ليشغل قلبك، ويعطل مقامك، بما يعقبك الندم إذا أنت فعلته.
فاحترس من عدوك أشد الاحتراس، وتحصن منه بالملجأ إلى الله عز وجل، فإنه أمنع الحصون، وأقوى الأركان، فاجعل الله تعالى كهفك وملجأك، واحذر عدوك عند الغضب والحدة، فإنك إن استقبلك في هيج الغضب ذكر الله تعالى، وعلمت أنه شاهدك؛ أطفأت بمراقبته نيران العز([9]) وتوقد الحمية، أجللت من قد علمت أنه يراك من أن تحدث في غضبك ما تستحق به غضبه، فإن الشيطان يغنم منك هيج الغضب وحمية الشهوة.
وأما حذرك إياه عند الحدة، فإنه يقال: إن الشيطان يقول:«إن الحديد من العباد لن نيأس منه، ولو كان يحيى بدعائه الموتى؛ لأنه تأتي عليه ساعة يحتد، فنصير منه إلى ما نريد»([10]).
﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران:101].
([7]) أول العزيمة أو العزيمة، والهم بالفتح وحذف الهاء كذلك، ويحكي ابن فارس: (الهم ما هممت به إذا أردته ولم تفعله) ولعله هنا يتطابق مع ما ذكره ابن فارس.
([10]) ولهذا، لمَّا ذهب رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أوصني، قال: «لا تغضب»، كرر ذلك ثلاثًا.
باب الصدق في الورع واستعمال التقية