(مبحث حديث إنه ليغان على قلبي والكلام في معنى الغين)
(فصل) قال ابن القاص -من كبار أصحابنا- في كتابه (التلخيص) في الفقه, لما عد خصائص النبي -صلى الله عليه وسـلم- الواجبــة عليـه دون سائر الأمة: ومنها أنه -صلى الله عليه وسلم- كان مطالبًا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس والكلام.
وذكر هذه الخصيصة أيضًا القضاعي في سيرته، وابن سبع في خصائصه, وحمل على هذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فأَسْتَغْفِر اللَّه سَبْعين مَرَّةٍ»([1]).
وقد ذكر هذه الخصيصة أيضًا ابن الملقن في الخصائص.
وقال البيهقي في شعب الإيمان: ذكر بعض أهل العلم أن الغين شيء يغشى القلب فيغطيه بعض التغطية, ويحجبه عما يشاهده, وهو كالغيم الرقيق الذي يعرض في الهوى, ولا يكاد يحجب عين الشمس, ولا يمنع ضوءها, والنبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه يغشى قلبه ما هذه صفته, وذكر أنه يستغفر الله منه كل يوم مئة مرة.
ثم قال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ -يعني شيخه الحاكم صاحب المستدرك- قال: سمعت الأستاذ أبا سهل محمد بن سليمان -يعني الصعلوكي أحد أئمة الشافعية, وهو المبعوث على رأس المئة الرابعة فيما ذكر الأصحاب- يقول: قوله «لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي» له تأويلات. أحدها يختص به أهل الإشارة, وهو حملهم إياه على غشية السكرة, التي هي الصحو في الحقيقة ومعنى الاستغفار عقبها على التحسر للكشف عنها. وأهل الظاهر يحملونها على الخطرات العارضة للقلب, والطلبات الواردة عليه, الشاغلة له بهذه الغشية الملابسة.
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: سمعت هذا الحديث فأشكل عليَّ معناه, فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول لي: (يا مبارك ذاك غين أنوار, ولا غين أغيار).
([1]) رواه مسلم من حديث الأَغَرّ الْمُزَنِيّ غير أنه قال: «وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ».